في ظل نظام مروري محكم، برجال أمن يبذلون جهودًا جبارة، ودائرة رقابة اليكترونية لضمان سلامة الطرق، يظل هناك جانب خفي لا تصل إليه العدسات، ولا تضبطه القوانين. إنه عالم الضمير، ومملكة القيم، وسمو الأخلاق التي لا تُقاس بسرعة السيارة، بل بسرعة الاستجابة للإنسانية. فكم من سلوك مروري سلبي لا يُعاقب عليه القانون، لكنه يترك خلفه جراحًا نفسية، ويشيع جوًّا من التوتر والعدائية، حيث يُفترض أن يسود التعاون والاحترام.
من صور فقدان الأخلاق على الطريق:
– العناد وعدم الفسح، حين يتمترس السائق في مساره ويمنع من يريد الالتفاف أو الخروج من موقف وكأن الطريق ملكية خاصة.
– التضييق المتعمد، حين يتحول السائق إلى شرطي شخصي يلاحق من أبطأ أمامه ويقوم بمناورات خطيرة لمعاقبته.
– التهور المفاجئ، حين يقود البعض وكأنهم في سباق، متناسين أن بيننا كبار سن ومرضى وأمهات لا يملكون نفس المهارة.
– عقاب المتباطئ، حين يتعمد أحدهم إبطاء سرعته فجأة أمام من خلفه في مشهد طفولي قد ينتهي بكارثة. هذه السلوكيات لا تُرصد بكاميرا، لكنها تُسجل في صحيفة السائق الأخلاقية، وتُظهر مدى احترامه للآخرين أو غيابه.
*حين تفلت من رقابة الأرض فتذكّر رقابة السماء.*
قد يظن بعض السائقين أن مهارتهم في التملص من الرقابة أو تجنّب الكاميرات أو الإفلات من العقوبة تمنحهم الحق في ممارسة سلوكيات سلبية على الطريق دون مساءلة، لكنهم ينسون أن هناك رقابة لا تغفل وعدالة لا تُؤجل.
أيها السائق، إن لم يُمسك بك النظام، فهناك من لا تخفى عليه خافية. ربما من ضيّقت عليه كان مريضًا أو امرأة في طريقها للمستشفى أو شيخًا لا يملك رد فعل سريع. فهل تأمن أن يُسامحك الله على ما فعلت؟ قال تعالى: وكفى بالله حسيبًا، وقال أيضًا: وما ربك بظلام للعبيد. من يضيّق على عباد الله، يضيّق الله عليه في قبره وفي رزقه وفي سائر حياته. فلا تكن ممن أفلت من عدسة الكاميرا ليقع في قبضة الحساب الإلهي.
في المقابل، هناك من يستثمر مع الله بسمو أخلاقه. أولئك الذين يفسحون الطريق بابتسامة ويتراجعون ليُدخلوا غيرهم ويُراعون ظروف الآخرين. هم لا ينتظرون شكراً بل يرجون فسح الله لهم، مصداقاً لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم. إنهم يدركون أن الطريق ليس فقط اختبارًا للمهارة بل اختبارًا للأخلاق، وأن السلامة المرورية لا تتحقق فقط بسلامة الإطارات بل بسلامة القلوب أولاً.
**كيف نُعالج هذه السلوكيات؟ **
عبر تعزيز التربية الأخلاقية في المناهج وبرامج تعليم القيادة، وإطلاق حملات توعوية تبرز النماذج الإيجابية وتُدين السلوكيات السلبية، وإشراك المؤثرين في نشر ثقافة القيادة الراقية، وتحفيز السلوك الإيجابي بمكافآت رمزية أو معنوية، وإشراك الأسرة في غرس قيم القيادة الأخلاقية منذ الصغر.
*ختاماً*
فليكن شعارنا: على الطريق، “القيادة، فن، وذوق، وأخلاق”، فلتكن أخلاقنا هي هويتنا الحقيقية.






