المقالات

العقلية المؤجرة

كاتب رأي ومستشار أمني

في زمنٍ تزدحم فيه المنابر وتتشابك فيه الأصوات، ظهرت فئة من الناس تُفكّر بعيون غيرها، وتتبنّى ما يُملى عليها، وتهاجم أو تُدافع لا عن قناعة، بل عن مصلحة أو تقليد!!

تلك هي العقلية المؤجرة؛ عقول أغلقت نوافذها أمام النور، وفتحت أبوابها أمام كل من يدفع أو يُؤثّر.

من علامات العقلية المؤجرة أنها عقلية لديها تقديس للأشخاص، ولديها تفضيل لبعض الشخصيات والجماعات الذين يستأجرون تلك العقول بالمجان ومدى الحياة!!! وهذا التقديس يجعلها عقولا لا تحاكم الفكرة، بل تأخذها كما هي، وتتحول إلى عقلية عاجزة عن أخذ المفيد وترك الضار لأنه يستحيل عليها ذلك .

صاحب العقلية المؤجرة لا يسأل: هل هذا صواب؟ أم خطأ ؟ بل يسأل: مع من الموجة؟!!!

يبدّل رأيه كما تُبدَّل اللافتات في الطرقات، ويغيّر اتجاهه كلما تغيّر اتجاه الريح. لا يستند إلى فكرٍ، بل إلى صوتٍ، ولا يملك رؤية، بل يقتات على ما يُقدّمه الآخرون جاهزًا دون بحث أو تمحيص.

‏العقلية المؤجرة لديها تسليم تام بمسلمات غير قابلة للنقاش! وهذه المسلمات مبنية على تسليم العقل للآخرين . وهذه العلامة تعد من أبرز علامات العقلية القابلة للتأجير المنتهي بالتمليك! حيث تترك لغيرها فرض المسلمات ولا تحاول التفكر في نتائجها .

شاهدنا العقليات المؤجرة عياناً بياناً خلال موجات الإرهاب حيث كانت التنظيمات الإرهابية المعادية من تنظيم القاعدة وداعش والإخوان تحشد طاقاتها للتغرير بالشباب وغسل أدمغتهم واستئجار عقولهم لدرجة أن الأخ قتل أخاه بتوجيه وشحن أولئك الخونة الفاسقين.

لكن بفضل الله ثم بحزم وعزم قيادتنا الرشيدة تم إجتثاث تلك التنظيمات الظالمة وتجفيف منابعها وتوعية المجتمع بخطورتها .

ما يدعو للغرابة والاستهجان إن أخطر ما في العقلية المؤجرة أنها لا تدرك نفسها، بل تظن أنها حرة وهي مقيدة، وتزعم الاستقلال وهي مرهونة.

لذلك لا بد من إعادة الاعتبار للعقل الحر، الذي لا يُستأجر ولا يُستدرج، عقلاً يرى بعينه، ويسمع بقلبه، ويزن الأمور بميزان الضمير لا المصلحة.

وحين يتحرر الفكر من الإيجار، يستعيد الإنسان قيمته، ويستعيد المجتمع صوته الحقيقي .

فالأمم لا تُبنى بالجموع الصاخبة، بل بالعقول الواعية. ولا تُصان الهوية بترديد ما يُقال، بل بامتلاك الجرأة على التفكير فيما لم يُقل بعد.

ويحتاج ذلك الى مزيداً من الوعي ومزيداً من الإهتمام وحرصاً على حفظ النظام لنعيش كما ينبغي لنا أن نعيش في بلدٍ آمن ومجتمع حيوي واقتصادٍ مزدهر .

عبدالله سالم المالكي

كاتب رأي - مستشار أمني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى