المقالات

طه حسين في (مكة) و(المدينة)

غادر عميد الأدب العربي، وأحد أشهر الكتّاب والمفكرين المصريين في القرن العشرين، الدكتور طه حسين، في عام 1955م، مصر متوجهًا إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج. وقد استغرقت رحلته تسعة عشر يومًا، وكان لتلك الرحلة صدى كبير في نفسه، وحظيت باستقبال حافل من قبل كبار المسؤولين السعوديين هناك، وكان على رأسهم جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز – رحمه الله – والوجهاء والأدباء والإعلاميون السعوديون. كما احتفت به المؤسسات الثقافية والهيئات العلمية كافة في تلك الفترة.

كان لهذه الرحلة إلى الأراضي المقدسة أثر كبير، رصدته الكتب والصحف المحلية والعربية، ومن ذلك كتاب «رحلات الأعلام إلى البلد الحرام» لمؤلفه الكاتب الأستاذ محمد عبدالشافي القوصي.

كشف الكتاب كثيرًا من تفاصيل وأسرار هذه الرحلة المقدسة؛ يقول مؤلف الكتاب إن طه حسين تعجب من تلك الحفاوة الكبيرة في الاستقبال، فقال:

“معذرة يا صاحب السمو، ومعذرة إلى الذين تفضلوا فاستجابوا لهذه الدعوة من الزملاء والزائرين، ومعذرة إلى هؤلاء المواطنين الذين أخطأوا موضع التكريم ووجهوه إلى غير من كان ينبغي أن يُوجَّه إليه، فقد أكثروا واشتطوا وأسرفوا على أنفسهم وعلى الناس، وأقول لهم: دعوا أخاكم هذا الضعيف، وما قدم إليكم من خيرٍ قليل، واصنعوا خيرًا مما صنع، وأخطر مما صنع، وأريحوه من إطالة الثناء، لأنها تخجله وتشعره بأنه يسمع ما ليس له الحق فيه.”

كان من بين المستقبلين بعثة الأزهر الشريف، وكان من بين أعضائها الشيخ محمد متولي الشعراوي، إذ كان يعمل أستاذًا في كلية الشريعة بمكة المكرمة، فرحب به وحياه، وألقى قصيدة طويلة احتفاءً به.

أعرب طه حسين عن سعادته بهذه الرحلة الإيمانية إلى الأراضي المقدسة، وقال:

“لقد تركت زيارتي للأراضي المقدسة آثارًا قوية رائعة في نفسي، لا يمكن أن تُصوَّر في حديث أو أحاديث، وحسبك أنها الموطن الذي أشرق منه نور الإسلام، ونشأت فيه الحضارة العربية والإسلامية، وما أعرف قطرًا من أقطار الأرض أثّر في عقول الناس وقلوبهم وأذواقهم كما أثّرت هذه البلاد، المملكة العربية السعودية، والحجاز فيها بوجه خاص.”

وكتب الأديب السعودي من جيل الرواد، وأحد مؤسسي جريدة المدينة الصحافي علي حافظ، أنه خلال زيارة طه حسين للمدينة المنورة حاول رجال الصحافة السعودية وأعيان المدينة المنورة أن يستمعوا إلى الدكتور طه حسين ببيانه الساحر ومنطقه الرائع، وأن يظفروا بما ظفر به الجمهور في مكة المكرمة وجدة، لكنه أمسك عن القول رغم الإلحاح الشديد والمحاولات المتكررة، معتذرًا عن عدم الكلام بقوله:

“ما كان لي أن أتكلم في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان لي أن أرفع صوتي، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي).”

وذكر الأديب علي حافظ أنه شُوهد طه حسين أثناء وقوفه عند الحديبية وهو يأخذ حفنةً من التراب ويقبّلها، وعندما سُئل عن ذلك قال:

“لعلَّ رسول الله وطِئَ هنا.”

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى