«جواهريات» ..
أرى أطفالا متشدقة أفواههم بكل تعابير الأُنس والسعادة .. لحظات احتضنت قلوبا تُحب المكوث في هذا المكان أطول وقت ممكن وممتع .. أصوات الأهازيج الطفولية في كل ركن وزاوية.. الألعاب هنا مرحبة بالصغار ترتدي أجمل حُلة وأبهى صورة , من لوحات ودُمى تغني الفرح , وركن ملأه الرملُ تُشكله أيادي وديعة , فتفرح بما تم بنائه , ثم تقوم بهدمه وتعاود الكرة والبسمات ترتسم على محيا سعِد بما أنجز , وتلك الزحلوقة يصعد على ظهرها الأطفال وهم يتضاحكون حينما يصلون إلى نهايتها, وها هي الأرجوحة تذهب بهم إلى الأمام والخلف, وهم متمسكين بحبالها في جو يملؤه التحدي ,من يسرع أكثر من الآخر؟ وتتصاعد الأصوات وتتسامى الكلمات قائلة: أنا أسرع وأعلى منكم , هيا حاولوا مجاوزتي .. عويل الأطفال حينما ينقضي الوقت المخصص للعب قائلين : لم ننتهِ بعد مع بكاء حزين ورجاء ملأ العينين يقول : نريد المزيد من الوقت نريد مواصلة اللعب , فيواصلون اللعب والنشاط يجري بهم من لعبة لأخرى ومن زاوية لزاوية أكثر متعة .. العين مترفة بما ترى في مدينة الألعاب, فالمتأمل معي لا يجدها مجرد وقت للترفيه فحسب ,وإن كانت المتعة هنا هي سيدة الموقف كله .. وهنا هاتفٌ يجرس قائلا: أما يجدر بنا أن ترمق العين ذلك ، ويتأمل القلب مفكرا ؛ ليخرجا بتفسيرات تخبر عن مدى أهمية معرفة الطفل من خلال طريقة اللعب وتفاعله مع الآخرين, فلا تعبر أوقات لعب الأطفال دون ما يكون لها فائدة للطفل. تقول الكاتبة د/ سوزانا ميلر في كتابها سيكولوجية اللعب حول لعب الأطفال : يمكننا القول بأن مدى إقبال الطفل على نشاط ما لذاته يتوقف إلى حد ما على ما في هذا النشاط من تنوع وتغير. وهذا يتوقف بالتالي علـى مـهـارة الـطـفـل وطبيعة المادة التي يتعامل معها، ومدى الإثارة التي تتيحها له البيئة المحيطة به. وتثير الشواهد _التي تثبت ذلك _ أسئلة منها : هل سبب تغيير النشـاط أو تنميته هو أن الطفل قد مل منه؟ أو أن هناك جانبا جديدًا لهذا النشاط لم يتعامل معه الطفل بعد ؟ ما هي الخصائص اللازمة لإثارة انتبـاه الطفل وحماسه لأداء العمل ؟ هل من المهم أن نعرف ما إذا كانت هذه الإثارة مرجعها النشاط الذي قام به الطفل؟ أو أنها ترجع لأسباب أخرى … بحر عميق مليء بالنظريات والأطروحات والشواهد والدراسات التي ذكرت في هذا الكتاب , ومثل هذه المواضيع تفتح للعقل مدى التأمل ,وسبيل التفكر حول ما يكون ظاهريا واعتياديا وفي خباياه أهمية بالغة يجب التفكر فيها, فلا يمر لعب الأطفال أمامنا مرور الوقت والحركة فقط ,بل على العين أن تبصر ما وراء ذلك ,وحري بالعقل أن يتبصر نحو ما يساور الطفل من مشاعر وتفاعل مع ما يلعب به أو يشاركه غيره.. فالطفل لا يفصح قولا وتعبيرا بقدر ما يجلي فعلا جليا علينا قراءته ومعرفة مضامينه الخفية، فإدراك سلوك لحظي أمنامنا صادر بكل عفوية من صغير يلعب ، قد يكون أول خطوات التعرف على جوانب شخصيته وعقليته ويصل الأمر إلى معرفة طريقة تفكيره ، وما أوسع المدى في النظر عن أهمية ذلك الأمر ! .
وقت مليء بالمرح للصغار .. وأعين تلمع حبا لهم , وشغفا لمعرفة قلوبهم الصغيرة ماذا تُفصح .





