«جواهريات» ..
هل أخذكم الشك يومًا نحو التنقيب بحثًا عن العلم ومضامينه ؟ هل جالستم التساؤل وبقيت العين محدقة نحوه مستفهمة سرّه إلى أن حلّت الحقيقة وتربّع العقل؟ هل زاركم الظن وانتهى بكم الحال إلى ترجيح أمرٍ ما ؟ إليكم ما قاله الجاحظ في كتاب الحيوان : ( وتعلم الشك في المشكوك فيه تعلّمًا ) فحيّا وأهلا بهذا المسار المضيء من الشك المعرفي ، كسبيل للوصول إلى اليقين والتثبت ومسك زمام الحقائق التي تليق بنتاج عقل أبصر وتبصر فاستبصر . كل أمر تمر سحائبه هكذا دون تأمل منك حتمًا ستذهب لسماء غيرك ويرى فيها ما لم تره أنت، وكل مطية تساؤل لأمرٍ خالج فِكرك مالم يوصلك لشيء يقدح في عقلك حتمًا ستترجل الخطب وتتأخر في الوصول نحو الجزم واليقين،
ولا يشك إلا عقل أراد أن يصوب نباله نحو الدراية والمعرفة، فالمرء الذي لا يفقه من الأمر إلا ظاهره متكاسل لا يريد التعمق المعرفي، هذا يكفيه من الأمور سطحها، دون التبيّن والاستزادة المعرفية، فلا يصل به الأمر إلا إلى ما أراد من الاكتفاء ويحسبه اغتناء معرفيًا ووعيًا عميقًا .
وفي سياق قريب من هذا ذكر الجاحظ كذلك في كتابه البيان والتبيين أنهم قالوا : ( شِعر الرجل قطعة من كلامه، وظنُّه قطعة من علمه، واختياره قطعة من عقله )
وإذا أردنا أن نقارن بين الظن والشك ، فالظن فيه ترجيح الرأي دون حضور التردد في الأمر، بينما إذا استوطن الشك العقل حضر التردد . وفي كل السياقات هي مدعاة للوصول إلى اليقين، إذا كانت الخُطا راسخة.
لأن هذا وذاك يسوقان الفِكر إلى طريق التساؤل دومًا ،ويأتي من بعد ذلك التثبت والانتهاء نحو اليقين. فكيف تصلُ إلى أمر مالم تشك فيه وتظن و تستفهم ؟ لترجح كفة الرأي القويم حتمًا، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه من المهم أن يكون العقل يقظ الفهم، متزن النقد ،حصيف في ظنّه وشكه ، فليس كل أمر مشكوك فيه ، وليس الشك لمحض الشك ،وعلى المرء الحذِق هنا التريث والمكوث في ساحة التعقل برهة، وبعدها لينطلق نحو ما يُعليه ويُعلي من فِكره دون إفراط ولا تفريط.





