المقالات

الإعلام وصناعة الرأي

وأنا أُقلّب أوراقي، وجدتُ من ضمن ما احتفظتُ به لأعلّق عليه في وقتٍ ما، ما دار على «تويتر، إكس حاليًا» بين قامة وطنية (ع-م) تحمل هموم الوطن، وإعلامي مؤثر (ع-أ)، وكان ذلك قبل عدة سنوات؛ حيث انتقد (ع-م) دور الإعلام في الخارج وعدم فاعليته في إظهار الصورة الحقيقية المميّزة للمملكة، وردّ (ع-أ) بأن ذلك ليس من مسؤولية الإعلام، وإنما هو دور الدبلوماسية والعلاقات العامة، وقبلها وزارة الخارجية.

ولأن الحوار وما دار فيه من آراء لها قيمتها وأهميتها، وإن تقادم الطرح، إلا أن الآراء تظل تتفاعل ولو بعد حين.

من وجهة نظري المتواضعة، هناك إعلام رسمي، وإعلام خاص، وإعلام ما بينهما؛ أي شكلاً هو خاص، ولكن حقيقةً هو أداة رسمية بلباس مدني مجتمعي. والإعلام الخاص البحت ليس من مسؤولياته الرسمية الدفاع عن السياسات أو وجهات النظر الرسمية، ولكن تظل المسؤولية الأخلاقية، بحجمها الكبير، مؤثرة، كما أن المشاعر الوطنية للمجتمع وسيلة محاسبة أدبية لا يمكن تجاهلها.

أما الوسيلتان الأخريان، فعليهما مسؤولية جليّة في تقديم وجهة نظر الوطن بوضوح، وبأسلوب لا يقبل اللبس، ودحض وجهات النظر الأخرى بطريقة مقنعة، وبالذات في مجال الاختلافات السياسية، والأهم في حالات الحروب. وإذا كنا نطلب من المسافر إلى الخارج أن يكون سفيرًا لبلده، ومن المبتعث أن يكون سفيرًا فوق العادة لوطنه، فكيف لنا أن نتجاوز عن مؤسسات إعلامية رسمية وهي لا تقدّم ولا تؤخّر في المشهد الإعلامي، وبالتالي لا تؤثر فيه؟

والرسالة الإعلامية تتعدّى المقال الروتيني والتركيز عليه في الداخل؛ فالأمة ترى إنجازات الوطن، وإبداع القيادة في رقي الأمة، والتطلع إلى إنجازات عظيمة غير مسبوقة في العالم، ولكن من يحتاج أن يشهدها هم الأمم الأخرى. وقول الأستاذ (ع-أ) إن يُفتح المجال للسائحين لنقل المشهد الوطني الرائع كلام جيد، ولكن ما الجديد في ذلك؟ فقد فتحت المملكة أبوابها على مصاريعها، وأُقيمت مناسبات واحتفالات كانت حلمًا من قبل، والقادم أجمل، ولكن هل نكتفي بذلك؟

مع أن ليس كل زائر ينقل ما يرى، فهذه ليست مهمته. ففي العموم قد يأخذ انطباعًا حسنًا عن مجمل الحياة بعيدًا عن الرأي في المواقف الوطنية، كما أن ليس كل زائر سيطّلع على وجهات النظر السياسية للوطن. وفي كل الأحوال، نحن نحتاج إلى إيصال وجهة نظرنا السياسية في عقر دار الدول المؤثرة، وكذلك إظهار مثالب الخصوم، كالحوثي مثلًا ومن خلفه، بالحقائق والأدلة المقنعة، وتبيان عدوانهم لمن شغله الشاغل تدليلهم وغضّ الطرف عن انقلابهم وجرائمهم.

فرسالة في قناة CNN مثلًا، أو فيديو قصير، قد يراه الملايين في دقائق، يوصل الرسالة المنشودة. نعم، ثمنها ملايين الدولارات، ولكن الغالي ثمنه فيه.

وأضرب مثلًا: لو أن برنامجًا صغيرًا بعنوان «هل هؤلاء أصدقاء؟»، وأُظهر فيه شعار الحوثيين، وبالذات «الموت لأمريكا»، ربما فعل العجب هناك. وأنا هنا لست في وارد التمني لأمريكا بطول العمر أو قصره، فهذا ليس من شأني، بل هذا شعار الحوثي ومن خلفهم، وهدفي هو قمع خصومي الحوثي ومن على شاكلتهم، وهم من بدأوا بالخصومة.

ولنراجع ماذا فعل الإعلام في الحربين العالميتين وغيرها، وخاصة في رفع وخفض المعنويات، وكذلك تمرير الأجندات المستهدفة، كما هو الحال في الانتخابات، وخاصة الأمريكية، وما تفعله صحف مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، وقنوات CNN وFox News. وأيضًا الأثر الذي كانت تُحدثه قديمًا «هنا لندن» وإذاعة الشرق الأدنى البريطانيتان في استمالة العرب والمسلمين ودسّ السم في العسل، كما كانت تفعل إذاعة «هنا برلين حي العرب» الألمانية في عهد هتلر، ومذيعها الشهير يونس بحري. مع أن ذلك كان كلمة مسموعة فقط، فما بالك بالكلمة والصورة معًا.

في الختام، إن المؤسسات ذات المسؤولية الوطنية في أي بلد في العالم، سواء كانت رسمية خالصة كالوزارات المعنية أو شبه رسمية، لا عذر لها في الغياب عن المسرح حسب حجم مسؤوليتها، وتركه لتُعرض فيه مسرحيات مسيئة، ولاعبون لا يدركون الحقيقة أو يتلاعبون بها؛ فهذا ضربٌ من عدم أداء الواجب، والاكتفاء بالمشاهدة، والنوم في العسل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى