عندما انقلب الحوثي على الشرعية، وبدأ يزحف، ومن آزره من خونة المشهد من الشمال،
ويكسر بوابةً بعد أخرى،
ويقترب من عدن خطوةً خطوة،
لم يكن في المشهد مجلسٌ انتقالي، ولا زُبيدي، ولا حتى جمبري.
ولا خطابٌ ثوري،
ولا أنيابٌ مكشوفة.
كان الجنوب عاريًا،
والدولة منهارة،
والحوثي على الأبواب.
الانتقالي، عندما تنعّم بالأمان بفضل السعودية، «كشّر عيدروس عن أنيابه» متأخرًا،
بينما حين كان الحوثي يزحف، ويكاد يبتلع عدن، غاب عن المعركة وتوارى.
فلم يكن عنده حينها الأنياب التي يتفاخر بها الآن… ولا حتى فم؛
لأن فمه كان مختومًا بختم الجبن وابتلاع الهزيمة،
وكان يردّد ما قاله أبو دُلامة:
أَرَى أَنِّي إِذَا مَا الحَرْبُ قَامَتْ
أُرَابِطُ خَلْفَ رَبَّاتِ الحِجَالِ
فَإِنْ ظَفِرُوا ظَفِرْتُ بِغَيْرِ جُهْدٍ
وَإِنْ لَمْ يَظْفَرُوا دَبَّرْتُ حَالِي
وَفِي الهَيْجَاءِ مَا جَرَّبْتُ نَفْسِي
وَلَكِنْ فِي الهَزِيمَةِ كَالْغَزَالِ
عند اجتياح الحوثي للجنوب،
لم يكن هناك مجلسٌ انتقالي؛
فهو لم يُؤسَّس إلا في 2017،
ولم تكن هناك قواتٌ جنوبية منظَّمة
يمكن أن تُوصَف بجيشٍ أو بقوة ردع.
عدن كادت تسقط بالكامل،
والحوثي دخل لحج،
ووصل إلى أطراف عدن،
وتوغّل في أجزاء من أبين،
فيما كانت مؤسسات الدولة
إمّا منهارة، أو منسحبة، أو خائنة.
هذه ليست روايةً سياسية،
بل تسلسلًا زمنيًا موثّقًا،
يعرفه كل من عاش تلك الأيام،
أو تابعها دون مكابرة.
السؤال الحقيقي ليس: من صرخ أعلى؟
بل: من أوقف الحوثي فعليًا؟
الجواب واضح، مهما حاول البعض القفز فوقه:
التحالف العربي، بقيادة السعودية.
ضربٌ جويٌّ حاسم،
ودعمٌ مباشر،
وقطعٌ لخطوط الإمداد،
وتدخّلٌ في لحظةٍ كانت فيها عدن
على حافة السقوط،
وكان الجنوب كلّه مهددًا
بأن يصبح غنيمةً مكتملة للحوثي خلال أسابيع.
نعم، المقاومة الجنوبية حاولت الصمود،
وهذا يُحسب لها،
والمقاومة كانت مزيجًا من شباب عدن،
وعسكريين سابقين،
والمقاومة الشعبية المحلية.
ولم يكن الزبيدي أحد أفرادها أبدًا.
لكن الصمود وحده لا يكفي
حين تكون موازين القوة مختلّة،
وما كانت تلك المقاومة
لتنتصر وحدها في تلك اللحظة الفاصلة.
لكن بعد ذلك تغيّر المشهد،
وبفضل عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية،
تحررت عدن،
وأُعيد بناء القوات،
وتواصل دعم التحالف.
ثم، بعد سنتين كاملتين،
ظهر المجلس الانتقالي،
ومعه الخطاب العالي،
والنبرة المتصلبة،
والأنياب التي لم تكن موجودة
حين كان الخطر في ذروته.
هنا تكمن المفارقة
التي لا يمكن القفز عنها:
الانتقالي اليوم يتحدث
باسم «الدفاع عن الجنوب»،
ويلوّح بالقوة،
لكن التاريخ يقول إن الجنوب نجا
قبل أن يولد الانتقالي،
ونجا بتدخلٍ خارجيٍّ حاسم،
لا بفضل كيانٍ سياسي
لم يكن موجودًا ساعة الامتحان.
التاريخ لا يُعاد كتابته بالخطابات،
ولا تُمحى الذاكرة بالضجيج.
الحوثي لم يتوقف احترامًا لبيان،
ولا خوفًا من شعار،
بل لأن التحالف العربي،
بقيادة السعودية،
دخل المعركة
عندما كانت الدولة غائبة،
والجنوب مكشوفًا،
والسقوط وشيكًا.
السعودية صاحبة اليد الطولى في تحرير عدن
ووقف المدّ الحوثي،
بنخوة الرجال، وهمم الأبطال،
وقيادة ملكٍ عظيم،
ووليّ عهدٍ حازمٍ أمين.
أمّا الأنياب التي كشّر عنها الانتقالي،
فهي أنيابٌ خائبةٌ خائنة،
توارت أيام التحرير،
وظهرت…
بعد أن انتهت المعركة.




