
في تطور نوعي يعكس تصاعد حدة المواجهة بين إسرائيل وإيران، أعلنت تل أبيب عن تنفيذ سلسلتين من الاغتيالات الدقيقة استهدفتا قيادتين بارزتين في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، اللتين تضطلعان بدور محوري في ربط إيران بالفصائل الفلسطينية واللبنانية المسلحة.
استهداف العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر
جاء الإعلان الإسرائيلي الأبرز باغتيال سعيد إيزادي، الذي تتهمه إسرائيل بلعب دور أساسي في التخطيط والدعم العملياتي لهجوم حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر حينها عن مقتل أكثر من 1200 شخص واختطاف المئات إلى قطاع غزة.
بحسب الرواية الإسرائيلية، كان إيزادي يشرف على ما يُعرف بـ “فيلق فلسطين” التابع لقوة القدس، حيث تولّى التنسيق العسكري المباشر مع قيادة حركة حماس، متكفلاً بملف التسليح والتمويل الذي سمح للحركة ببناء ترسانة صاروخية مكثفة استخدمت لاحقاً في الهجوم المفاجئ على الجنوب الإسرائيلي.
ويعتبر مقتل إيزادي — الذي تم استهدافه فجر السبت في شقة سكنية بمدينة قم الإيرانية — اختراقاً أمنياً واستخباراتياً خطيراً على مستوى العمق الإيراني، وهو ما عبّر عنه رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال إيال زامير واصفاً العملية بأنها “إنجاز استخباراتي وعملياتي بالغ الأهمية”.
اغتيال إضافي يهز فيلق القدس
لم تكد تمر ساعات على العملية الأولى حتى أعلنت إسرائيل تنفيذ ضربة جديدة عبر طائرة مسيّرة، استهدفت قيادياً آخر في فيلق القدس هو بهنام شهرياري أثناء تنقله بسيارته في غرب إيران.
وبحسب المعلومات الإسرائيلية، كان شهرياري مسؤولاً مباشراً عن شحن وتوزيع الصواريخ والقذائف إلى الوكلاء الإقليميين لإيران، من بينهم حماس في غزة وحزب الله في لبنان. ويشكل اغتياله ضربة مباشرة للبنية اللوجستية التي تدير شبكة الإمداد الإقليمية للحرس الثوري.
التصعيد يدخل مرحلة الانكشاف الاستراتيجي
تأتي هذه العمليات مع دخول الصراع الإسرائيلي الإيراني أسبوعه الثاني، وسط تصعيد ميداني متبادل: إيران تؤكد استهداف منشأة نووية قرب أصفهان، بينما تكثف إسرائيل هجماتها على منشآت عسكرية جنوب غرب إيران، في حين اخترقت طائرات مسيّرة إيرانية المجال الجوي الإسرائيلي.
ويكشف هذا التصعيد عمق الانكشاف الاستراتيجي الإيراني في الداخل، إذ استطاعت إسرائيل — وفقاً لمراقبين — اختراق الدوائر الحساسة في بنية الحرس الثوري الأمني واللوجستي، وهو ما يضع القيادة الإيرانية في موقف دفاعي صعب داخلياً وخارجياً.
البُعد الأمريكي: ترامب يرفع سقف الإنذار
في خلفية المشهد، يبرز الدور الأمريكي الذي بات أكثر اقتراباً من خط المواجهة، مع تصريحات مباشرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي منح إيران “مهلة قصوى لا تتجاوز أسبوعين” للدخول في مفاوضات حول برنامجها النووي، وإلا فإن الخيار العسكري الأمريكي على الطاولة.
هذه اللهجة المتشددة تأتي بالتزامن مع تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي شدد من إسطنبول على أن أي تدخل أمريكي سيكون “خطيراً للغاية”، مؤكداً أن طهران لن تستأنف المفاوضات النووية تحت القصف الإسرائيلي.
الخسائر المتزايدة: مؤشر خطير على حدة المواجهة
من الناحية الإنسانية، تشير الأرقام الإيرانية الرسمية إلى سقوط أكثر من 430 قتيلاً و3500 جريح منذ اندلاع المواجهة في 13 يونيو. بينما تقدّر منظمات حقوقية مستقلة العدد غير الرسمي للقتلى بـ 657 حتى يوم الجمعة.
أما في الجانب الإسرائيلي، فقد قُتل 25 شخصاً حتى الآن، من بينهم حالة وفاة جراء نوبة قلبية مرتبطة بالتصعيد المستمر.
قراءة في مسار التصعيد
يمثل هذا التصعيد النوعي إشارة واضحة إلى دخول الحرب الإسرائيلية الإيرانية مرحلة “الضرب تحت الجلد”، عبر عمليات استهداف دقيقة للكوادر الحيوية في منظومة الحرس الثوري الإيراني.
وبينما تحاول طهران امتصاص هذه الضربات من دون انزلاق شامل، يدفع تراكم هذه العمليات الجراحية باتجاه احتمال فتح جبهة إقليمية أوسع، خاصة مع اقتراب ساعة الحسم الأمريكية المرتقبة خلال الأسبوعين المقبلين.






