المقالات

التعليم بين الأمس والمستقبل

لم يكن الوصول إلى المعرفة في الماضي أمرًا ميسورًا، فالطالب الذي أراد أن يفهم قاعدة نحوية أو يستوعب مبدأ علميًا، كان يحتاج وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا، يتنقّل بين الكتب، ويسأل معلمين، ويُعيد المحاولة مرات. كانت المعلومة تُطلب بالصبر، وتُكتسب بالتدريج، وربما تترسخ لأنها جاءت بعد مشقة.

أما اليوم فقد تغيّرت الصورة تمامًا. أصبحت المعرفة في متناول اليد، تُقدَّم بوسائط متعددة، وتصل للطالب في لحظات. لا يحتاج سوى هاتف ذكي أو جهاز حاسوب، ليحصل على ما يشاء من شروح، وتطبيقات، وتجارب افتراضية.
لكن هذا التيسير طرح سؤالًا كبيرًا في الميدان:
هل تغيّر التعليم كما تغيّرت وسائل الوصول إلى المعلومة؟
من الإنصاف القول إن وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية أدركت هذا التحوّل، وبذلت جهودًا ملموسة في تطوير البنية التحتية الرقمية، والعمل على تحديث المناهج، وتمكين المعلم من أدوات التقنية؛ ومع ذلك لا يزال التحدي قائمًا:
كيف نعيد تشكيل دور الطالب؟ وكيف نعيد توجيه أهداف التعليم لتكون أكثر صلة بواقع الحياة ومتطلبات المستقبل؟
إن التحول الرقمي لا يكفي وحده، فالمعلومة متاحة لكن امتلاكها لا يعني فهمها، ولا يعني القدرة على تحليلها أو توظيفها.
وهنا يبرز الدور الجديد للتعليم: أن يُمكّن الطالب من التفكير، لا فقط من الحفظ.
أن يُنمّي لديه مهارة البحث، لا مجرد تلقي الجواب.
أن يُربّيه على اتخاذ القرار، لا على انتظار النموذج المثالي.
من هذا المنطلق أصبح من الضروري أن يُعاد النظر في بناء المحتوى ليس بتقليصه أو تسطيحه، وإنما بتنظيمه حول مفاهيم أساسية، ومهارات عقلية، وتجارب واقعية تُحفز الطالب على التفكير وربط ما يتعلّمه بما يعيشه.
ولكي يتحقق هذا لا بد أن تتضمن البيئة التعليمية عناصر تدعم:
• التفكير النقدي والتأملي.
• التعلم الذاتي الموجه.
• توظيف التقنية في التحليل والتجريب.
• ربط المحتوى بالواقع العملي والمهني والاجتماعي.
إن التحدي الذي نواجهه اليوم ليس في قلة المعلومة، بل في كثرة المعلومة وضعف توظيفها.
والمعيار الحقيقي لنجاح التعليم لم يعُد في كمية ما يُدرّس، بل في نوعية الأثر الذي يتركه في المتعلم.
وذلك هو التحدي… وتلك هي الرسالة.1 / 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى