فاز الاتحاد بإحدى بطولاته فقلت لطلال باغر عندي أغنية فارس الملعب. فلحنها وغناها محمد عبده. وبعد حين عندما كنت مشرفاً على النادي توالت البطولات فاتصل عليَّ محمد وقال: إذا عندك عمل للاتحاد أنا جاهز. وكتبت باقة زهور مقدمة. ثم بعدها بسنوات غنى زيهم مافي. والألحان كانت لطلال باغر. لا يزال المشوار مع صديقي وأخي محمد مستمر سواء على البعد الاجتماعي أو الفني، ولعلنا نلتقي في عمل فني جديد.
تربطني بزملائي من المحفل الفني صداقات أكثر من أنها كلمة ولحن ومغنٍ. أنا وعلي عبد الكريم تعرفنا من خلال زيارة خاطفة مع صديق كان على صلة بعلي، قال لي: هناك شاب يبدو عليه كل الإشارات الخضراء التي تفتح له الطريق في عالم الطرب. زرته في منزله في الهنداوية ثم كان يجمعنا مركاز العمدة علي عبد الصمد. كتبت له أول عمل وكان تصدق بإيه ثم توالت الأعمال المتعددة مع ذاك الصوت الطربي المختلف. غنى يا أسمر يا ويا ساهي الطرف وأعترف وغيرها، وغنى للاتحاد كباكورة أغانينا للاتحاد الاتحاد قوة. وتوالت الأعمال الوطنية مع علي وكان آخرها فرحة وطن. وغنى للمنتخب حيوا السعودي يا هلا. وغنينا للندرسةً والبوسنة وغيرها. ألهب علي المغني الطربي فتوهج مشواره فأبدع. وآخر عمل بيني وبينه جاهز وربما يرى النور قريباً وهو علينا يا خفة دمك.
أما مع عبادي فصداقة عمر دامت لعشرات السنين وكنت أمره بين حين وحين، سوالف وكفشات. فعبادي إنسان يعشق النكتة سماعاً وإلقاءً. وكان أول عمل بيننا قالوا ودع لك قلت يسلم ويجي. ثم توالت إلى أن كان قلبك عطاك وياليت أقدر وأنا أرضيك. وما الحب إلا للحبيب الأول. وجمعتنا أغانٍ وطنية ورياضية ولا أنسى في الوطني أغنية إذا تكلمنا استمع لنا العالم واللي بدأ بالشر سلم لنا وسالم. وكأني وعبادي استشرفنا مع ذاك الماضي التليد الحاضر المشرق الجديد. يظل عبادي من الذين تنطبق عليهم “العشرة الحلوة”، فلا ينساك رغم ظروف الزخم الفني الحاضر. بيني وبينه عمل جديد لعله يظهر قريباً وهو: حياتي كلها آهات، وكل آهة بترنيمة، وقلبي تتعبه الدقات، وكل دقة بتعليمة.
طلال سلامة أيضاً كانت طلعته الفنية الأولى بالنسبة لي عندما حضر وغنى في ليلة زفاف علي عبد الكريم، فوجئت بذلك الصوت الرايق. وغنى لي طلبتك يا كريم ترسل بشاير مفرحة لقلبي ثم غنى لي يا مسا الفل.
عبد المجيد عبد الله أيضاً جمعتنا صداقة وفن، وإن كانت على خفيف. غنى لي من ألحان المغيص لا تكون عجول، ثم من ألحان باغر أشر بإيدك أو تلطف بالسلام. النار يا محبوب في قلبي ضرام. وقدمنا أول عمل وطني يذاع أثناء أزمة الخليج وهو هيا يا الشعب السعودي هيا لبوا للفهد. ثم غنى هذه بلادي من ألحان الدكتور عبد الرب إدريس. وكذلك عدة أغنيات للاتحاد منها بطولة يا بطولة والإتي من يطوله. ثم فرق ما بينا ليه الزمان. وهذه مجرد مزحة ولكنه تعبر عن واقع. فعبد المجيد أصبح بعيد المنال، وبالذات من ناحية التواجد في جدة.
تعاملت مع الفنان الصديق محمد عمر في عدة أعمال. وكانت صداقتنا أكبر وأعمق من العمل الفني. وآخر عمل كان يا نفسي يكفي ألم خفي علي وارفقي، قلبي معاكي انظلم، تعبتي ليه تعشقي. أعرف أن الناس قالوا: “اللي بيده قلم ما يكتب اسمه شقي”.
أما القديم الحديث أبو الأسرار عبد الله رشاد، فرحلتنا رست في عدة محطات منها الوطني والعاطفي. وغنى معي للاتحاد هذا زمانك يا اتحاد هذا زمانك وولا قلنا نجيبه نجيبه. وأخيراً عمل عاطفي هو أنت من الروح فيها. يظل رشاد من الذين شعارهم “حار يا فول”، عندك عمل مناسب لا يستغرق إلا أيام معدودات لكي ينجز وبأجمل ما يكون.
أما الملحنون فكانت رحلة متعددة المحطات بدأت مع طلال ومرت بمحطة المغيص ثم محمد شفيق وعدنان خوج. كانت أكثر أعمالي الفنية مع طلال باغر، ومن بعده شفيق. غنت لي سميرة سعيد غريبة دي الجية وشفت القمر ضاحك لي وغيرها، وغنت لطيفة شقاوي. ونادية مصطفى ألبوم كامل من ألحان شقيق وطلال وحمدان بريجي، كان عنوان الألبوم أنت عسل. وغنت سوزان عطية من ألحان شفيق أقلك اسمع يا سيدي. وغنت أصالة من ألحان طلال باغر لو ما يكلف عليك اسأل علينا وطل.
أما المونسبقار محمد المغيص فصديق الزمان الخلي أيام كان الفن للفن. كنت أزوره في بيته الصغير في مساحته الكبيرة بكل معاني الوفاء وروح الأسرة ودفئها، وخاصة عندما كانت والدته رحمها الله ترحب بنا من وراء الباب بلهجتها الحائلية ذات العبق الشعبي الأنيس. لقد كانت إنسانة عظيمة خلفت وربت. لحن لي المغيص لا تكون عجول وأنت قولك نفترق. وأطربي يا جدة وافرحي. كان بيت المغيص يشهد بين فينة وأخرى ميلاد فنان، وأذكر منهم الفنان رابح صقر في بداية مشواره الفني. كان الملحن ضالة المطرب والآن المطرب ضالة الكل.
أشعر في المجال الفني أن هناك مناخاً غير طبيعي يطل أحياناً وربما تطول طلته، وفصل خامس يمر اسمه أنسي اللي فات والذكريات ووين ما يروح المطر نحن معاه. وكل لبيب بالإشارة يفهم.
الفن بالنسبة لي مرحلة وجدان إنساني لم أشعر في يوم أني تعاملت معه كصنعة. فعندما يستفزني الخاطر أكتب. كتبت الكثير في سلم الطائرة، طبعاً من داخلها وليس على سلمها. كنت أحس هناك بالروقان، فبين الأرض والسماء تنظر من النافذة، تشعر وأنت في حيز محدود برحابة الكون وذلك الفضاء الذي لا حدود له، فتختال الأحاسيس وتتدفق فأكتب. هناك الكثير الذي لم يظهر، وبحكم أني هاوٍ حتى تاريخه رغم السنين اللي مضت، فإن كل ما كتبت هو بوح إنسان ربما للذكرى وربما للنسيان.



