المقالات

مبروك أبناءنا بيتكلموا عربي

كنا وكان الذين قبلنا يفرحون أيما فرح عندما يقول أحد الأبناء Yes أو حتى No. برغم أنها كلمة تعني العصيان. ومن كان يقدر يعصي ست الحبايب وإلا سي السيد. فالوالد وزير الخارجية، والأم وزيرة الداخلية والاقتصاد والتربية والتعليم، فهي وكما قال الشاعر الكبير حافظ إبراهيم:

الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها
أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ

الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا
بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ

الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى
شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ.

نشأنا في منازل لا نسمع فيها أي كلمة غير العربية. كنا ونحن ننمو ما بين الطفولة والشباب نعتبر أن التحدث بالإنجليزية من الأماني الكبار والتي هي فقط لأبناء الذوات. ثم نحن ماذا نريد بها عاد من كثر الخواجات في مدينتنا، ناهيَك في حيّنا طبعاً. في ذلك الوقت كان الخواجات نسمع بهم وما نشوفهم، ما عدا أهل المنطقة الشرقية. نسمع حكايات عن المنطقة الشرقية وكأننا نتكلم عن جزيرة الأحلام. وكان الحديث يدور بين حمدتو ومصطفى أبو دلش زمان:
• تعرف يا أخويا يا حمدتو، نفسي أتكلم جملة إنجليزي على بغض ماني فالح. وهي كلمتين اللي حفظتها وهي hen و rice. ويبدو حفظتها من الجوع. وكنت كل يوم أكررها عشان أمني نفسي بعشوة تنعش المعدة.
• حمدتو: لا يا أبو دلش. نحنا فين وفين، اللغة هذه راحت علينا.
• أبو دلش: لكن يقولون إنه في المنطقة الشرقية بحكم عندهم شركة أرامكو، أكثر السكان يتكلمون إنجليزي.
• حمدتو: نعم تعلموه بمخاطبة الأمريكان ومن التلفزيون، مع أن أكثرهم كانوا ما يقرَون ولا يكتبون حتى العربية.
• أبو دلش: أف بالله عندهم تلفزيون؟
• حمدتو: إيوه، انت بعقلك وإلا لا؟ هذولا أمريكان، عارف يعني أيش أمريكان؟ لا وأزيدك من الشعر ڤلّه، بحكم إننا نتكلم عن اللغة الإنجليزية، عندهم سينما كمان.
• أبو دلش: لا لا، سينما؟ أنت مرة زودتها. أش رأيك نروح كم يوم نتفرج على فيلم ونرجع؟
• حمدتو: كمان أنت أيش تفكيرك هذا. أنت تعرف إنه عشان نروح إلى الظهران يبغالنا شي وشويات.
• أبو دلش: كيف يعني؟
• حمدتو: لابد يا فالح نشوف أي لوري رايح بحملة للظهران يأخذنا معاه ونركب وراء وفوق حمولته. وكل واحد بيكع حوالي خمسين ريال.
• أبو دلش: لا يا شيخ، يا ساتر. ومين عنده خمسين ريال زايدة؟ وبعدين وين نسكن؟ لا، خلينا هنا أحسن. وأنا وأنت مالنا والخط المعلق؟ يبقى الواحد في عشه لا يجي له أحد ينشه. طيب جتني فكرة: نلم قرشين من عندي وقرشين من عندك ونشتري لنا تلفزيون من الشرقية ونتفرج عليه.
• حمدتو: يا فالح، انت تتكلم جد؟
• أبو دلش: لا، الصراحة كنت بختبر ذكاءك.

ونخرج من أحاديث حمدتو وأبو دلش في ذلك الزمان، ونترك الماضي وخلونا في الحاضر ليس إلا، فربما وعسى ولعلّا. وكما كتب الهادي آدم وغنت أم كلثوم:

وغداً تأتلق الجنة أنهاراً وظلاّ
وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى
وغداً نزهو فلا نعرف للغيب محلا
وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا

قد يكون الغيب حلواً.. إنما الحاضر أحلى.

كانت اللغة الإنجليزية واحدة من الأماني. ولا يبلغها إلا من كان له من الجاه جانب حيث يرسله أهله إلى الخارج. وكان الابتعاث إلى الخارج يعني الكثير للعيلة. يقول فلان لعلان:
• شوف يا عمي لنا الله، ما شفت في جريدة الندوة أسامي المبتعثين للخارج؟ وإحنا عيالنا يا دوب يحصلوا الشهادة الابتدائية أو المتوسطة ونخرجهم من المدرسة أحياناً قبل كذا عشان يكدوا علينا.
• علان: طيب ترى تلك الشهادات أيامنا لها شنة ورنة.
• فلان: يا أخويا، شنة إيه ورنة إيه؟ أعطني حظ وأرمني في البحر.

وينتهي كلام فلان وعلان.

الآن بل ومن عدة سنوات أصبح أطفالنا عندما يتكلم أحدهم كلمتين عربية نناظر في بعضنا لبعض استغراباً ودهشة وتعليقات: ما شاء الله قالها الولد بدون ما أحد يغششه! وبنبري أحدهم: أنا قايل لكم من أول الولد هذا معفرت وذكي.

يبدأ الطفل من سن الرضاعة وربما إلى سن الثامنة في أحضان عاملة المنزل، هي التي تتابع وهي التي تربي وهي التي تعلّم والله أعلم ماذا علّمت وما هبّبت والناس نيام. مع بعض كلماتها الإنجليزية المقربعة، يبتدئ لسان الطفل ينعوج. ومن ثم في المدرسة لا يهتمون بتعليمهم كيف يتكلمون اللغة العربية، بل يجعلونهم كالببغاوات حفظ مرسل. ومن ثم أي حديث بين الطفل وزملائه والمعلمة هو بالإنجليزي.

ويرجع البيت، وبدل ما يخاطبونهم الأب والأم بالعربية، هم مع الخيل يا شقران، كله بالإنجليزي كيف ما كان. بل بعضهم يسمي البنت جولييت وميرندا عاد من قلة الأسماء العربية.

والجد لما يشوف هذا الحال يضرب يد بيد ويقول: يا جماعة والله هذا ما يصير. يا أسفاه، متى يتكلموا عربي؟ يردون: أوه يا جدو لا تكسر مجاديفهم، بكره راح يتعلموا من حالهم، وبعدين الآن اللغة الإنجليزية هي مفتاح النجاح والوظيفة. وأنت يا جدو ما سمعت الولد لما كان يرحب بك بالعربية وقال (مرهبا) يا جدو؟ ولا تنسى يا جدو الآن الصينية صارت مهمة جداً. وبنفكر نستقدم عاملة صينية عشان الأولاد ما يفوتهم الركب.

فرد جدهم: يا هم ليلي ونهاري وكل أيامي. أجل أبشروا بالصيني، كله راح يتكسر والعيون راح تصير ضيقة. والبنت شياو فانغ، والولد تشينغ. والله يخلف علينا وعلى العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى