استهل الكاتب تود هنري حديثه في كتابه الشهير بهذه العبارة اللافتة: إن أغنى مكان في العالم ليس البنوك ولا مناجم الذهب، بل المقابر، حيث دُفنت أحلام لم تتحقق، وأفكار لم تُنفذ، وكتب لم تُكتب، وأعمال فنية لم ترَ النور. ركّز هنري على فكرة استثمار كل الطاقات والإبداعات قبل مغادرة الحياة، حتى لا يرحل الإنسان وهو يحمل في داخله مشاريع وأفكارًا لم يخرجها إلى العالم.
بهذا المفهوم، وبدافع من التشجيع النبيل الذي غرسه في نفسي الأخ الحبيب، الصحفي والإعلامي الأستاذ عبدالرازق حسنين (أبو وسام)، وجدت نفسي مدفوعًا لتوثيق رحلتي؛ حتى لا تبقى التجربة حبيسة الذكريات. رحلة امتدت لعشرين عامًا في خدمة ضيوف الرحمن، متنقلاً بين مناصب متعددة وحقب زمنية مختلفة، كانت بدايتها بخطوات متواضعة، لكن سرعان ما حملتني الأقدار إلى مواقع متقدمة من المسؤولية، حتى شُرِّفت بخدمة حجاج السودان بتولي منصب المدير العام للحج والعمرة بالسودان.
خلال هذه المسيرة، عملت جنبًا إلى جنب مع شخصيات وجهات متعددة في السودان والمملكة العربية السعودية، من سفراء خادم الحرمين الشريفين في الخرطوم، إلى معالي وزراء الحج بالسعودية، ورؤساء المؤسسات السعودية الأهلية والرسمية. جميعهم جسّدوا الشعار الذي تبنّته المملكة: “خدمة الحاج شرف لنا”، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله.
ثم جاءت رؤية المملكة 2030 لتحدث طفرة نوعية في خدمات الحج والعمرة، حيث أصبح أكثر من ثلاثة ملايين حاج وثلاثين مليون معتمر سنويًا يحظون بتجربة أكثر تنظيمًا وسلاسة، بفضل الخطط التشغيلية المحكمة والعمل الدؤوب. ويتوّج هذا الجهد بلقاء سنوي يجمع خادم الحرمين الشريفين برؤساء بعثات الحج وضيوف الملك، يتم خلاله استعراض الإنجازات والتخطيط للمواسم القادمة، تأكيدًا على التزام المملكة المستمر بتحسين الخدمات وتقديم أفضل تجربة للحجاج والمعتمرين.
أسأل الله أن يوفقني في إبراز بعض ما لامسته خلال تجربتي اللصيقة بأعمال الحج والعمرة، لتكون إضاءة وإضافة قيّمة للممارسات والخبرات في هذا المجال، مستحضرًا قول الله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام:
﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: 127].
المدير الأسبق للحج والعمرة – السودان






