المقالات

اتفاقية المصير المشترك: تحالف الدفاع بين السعودية وباكستان

في لحظة من لحظات التاريخ الفارقة تجسّدت أسمى معاني التضامن والوحدة حين اجتمع ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان برئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، ليوقعا معًا “اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك “؛ اتفاقية لم تكن وليدة اللحظة، بل ثمرة مسيرة طويلة من الأخوّة والصداقة بين البلدين الشقيقين .
جاءت هذه الاتفاقية لترسّخ مفهوماً عميقاً من مفاهيم العلاقات الدولية مبنيًا لا على المصالح العارضة فحسب، بل على رابطة أعمق وأرسخ هي رابطة العقيدة، والتاريخ المشترك، والتعاون الثابت في أحلك الظروف.
إن ما بين المملكة وباكستان ليس مجرد تلاقي سياسات، بل هو تقاطع في الرؤية، وتكامل في المصير، وتآزر في مواجهة التحديات التي تتجاوز حدود الجغرافيا لتبلغ ميدان المصير الإسلامي المشترك، والهمّ الأمني العالمي.
ولأن العالم اليوم يمر بمنعطفات خطيرة تتكاثر فيه الأخطار ، وتتعدد أشكال العدوان كان لا بد من موقف يرتقي إلى مستوى التحدي ، فجاء هذا الاتفاق ليكون سدًا منيعًا في وجه كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن أي من الدولتين.
لقد نصّ الاتفاق بكل وضوح أن الاعتداء على أحد الطرفين يُعد اعتداءً على الآخر في خطوة تعكس قوة التحالف وروح الالتزام، وتُعيد إلى الأذهان المعاهدات الكبرى التي شكّلت مفاصل في تاريخ العلاقات الدولية.
لكن الاتفاق لم يقف عند حدود الدفاع والردع، بل امتد ليشمل تطوير التعاون العسكري، وتبادل الخبرات ، وتعزيز القدرات المشتركة ، وهو بذلك يؤسس لمرحلة جديدة من التكامل الاستراتيجي القائم على التحضير للشراكة الكاملة والمستمرة ، لا مجرد تحالف ظرفي .
إنه تحالفٌ يُبنى على التخطيط والرؤية بعيدة المدى، ويأخذ في اعتباره تطورات المسرح الدولي، وضرورة التكتلات القوية لمواجهة ما يشهده العالم من اضطرابات وتغيرات.
إن توقيع هذه الاتفاقية لا يعكس فقط رؤية قيادتين حكيمتين، بل هو صوت الشعوب أيضًا، صوت المحبة والولاء الذي يجمع بين الشعبين السعودي والباكستاني، والذي طالما تجلى في التقدير المتبادل والمواقف الأخوية. ومن رحم هذا الشعور الصادق وُلدت الاتفاقية كوثيقة لا تمثل فقط تحالفًا عسكريًا، بل عهدًا بالوفاء، والتزامًا لا يتزعزع بحفظ الأمن والاستقرار، ليس في حدود الدولتين فحسب، بل في المنطقة بأسرها، بل والعالم الإسلامي، الذي يتطلع إلى مثل هذه النماذج من التعاون الصادق.
وفي زمن تتكاثر فيه التحالفات التي تحركها المصالح الباردة تبرز هذه الاتفاقية كأنموذج نقيّ ينبع من الإيمان بالمسؤولية ، ويعكس وعيًا سياسيًا عميقًا بأهمية بناء قوة إسلامية صلبة، قادرة على حفظ التوازن، وصون الكرامة، وردع العدوان أياً كان شكله أو مصدره.
هكذا تُكتب التحالفات الخالدة، وهكذا تصنع القيادات الرشيدة التاريخ لا بالشعارات، بل بالأفعال الممهورة بالإرادة ، والمدفوعة بالإيمان ، والمبنية على قاعدة من الثقة والصدق.
ولعل هذا الاتفاق يكون فاتحة لمرحلة جديدة من الوحدة الإسلامية، تكون فيها السعودية وباكستان القلب والدرع، الصوت والعقل، اليد التي تبني، والسيف الذي يحمي.

د. فايز الأحمري

كاتب صحافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى