صورة من الماضي استذكر بعض تفاصيلها معكم، لنتخيل كيف كانت حياتنا في آلية تحديد المواقع وطريقة التنقل. كل واحد منا يتذكر قبل عقدين من الزمن كيف كان يحمل هم التوجه إلى عنوان ما، مستحضراً ذلك الوصف الذي يشبه الطلاسم غير المفهومة للبعض، مثل:
“خل الشمس على حجاجك الأيسر وبتل على طول لين يجيك كوبري، لف يمين يجيك مسجد سند من عنده…”
وفي طريقة الوصف الليلي، خاصة لمن يذهب إلى البر أو إلى مخيم أو هجرة، يُقال له:
“خل سهيل على حجاجك الأيمن وبتل لين يجيك شعيب دونه شجيرات، ابتل معه لين يجيك ضلع، خله في ظهرك واتجه قِبله…”
تلك كانت خرائط تحديد المواقع الوصفية. لم تكن مجرد توجيهات، بل بداية مغامرة غير مضمونة النتائج والعواقب، لا تسلم من إمكانية الضياع وفقدان الوجهة الصحيحة وبالتالي إضاعة الوقت، لدرجة دفعت البعض إلى تعديل خططهم أو حتى إلغاء زياراتهم خوفاً من سوء العواقب.
الوصف الشفهي:
ذاكرة من زمن مضى
في ذلك الزمن، كان الاعتماد كليا على الذاكرة البشرية والثقافة الشعبية. كانت الرحلات البسيطة داخل المدينة تستدعي مكالمات هاتفية متكررة لتأكيد الطريق، والتوقف للسؤال، أو انتظار مرشد من سكان الحي ليأخذ بيد الزائر. كانت تلك التفاصيل جزءا من نسيج حياتنا اليومي، تعكس بساطة مجتمعنا، لكنها أيضا تكشف عن تحدي حقيقي وصعوبات ومشقة في دقة التنقل والاتصال.
وكما نعلم، أن البعض فقد حياته في البراري نتيجة فقدانه معالم الطريق وضياع اتجاه وجهته الصحيحة. ورغم ما كانت تخلقه تلك التجارب من فرص للتواصل العفوي مع الناس، إلا أن ثمنها كان غالبا هو الوقت والجهد والحياة والكثير من عدم اليقين.
التحول الرقمي:
نقلة في الملاحة وجودة الحياة
اليوم، ولله الحمد، المشهد مختلف تماما. لقد اختزلت التقنية سنوات من التحديات لتبدأ بلمسة شاشة وتنتهي بجملة صوتية بسيطة وواثقة: “لقد وصلت إلى وجهتك.”
هذا التحول النوعي، الذي تقوده حكومتنا الرشيدة ضمن رؤية طموحة، لم يقتصر على حل مشكلة الملاحة فحسب، بل أعاد تعريف مفهوم الخدمات والراحة وجودة الحياة.
فبفضل توفير التقنية وتوظيفها عبر التطبيقات الرقمية، لم تعد الرحلة مجرد انتقال من نقطة إلى أخرى، بل أصبحت تجربة مضمونة ومتكاملة، تبدأ بتحديد الموقع وتنتهي بوصول دقيق دون عناء.
رؤية 2030:
نظام الملاحة الوطني نحو المستقبل
إن ما نعيشه اليوم من تطور لم يكن ليتحقق لولا توفيق الله ثم الرؤية الحكيمة لقيادتنا، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ، و سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، الذي أطلق رؤية المملكة 2030 لتمثل خارطة الطريق الوطنية.
هذه الرؤية لم تكن مجرد خطة اقتصادية، بل كانت نظام ملاحة حضاري قاد التحول في البنية التحتية الرقمية وتمكين الإنسان، لتصبح المملكة نموذجا عالميا يُحتذى به في مجال الابتكار والتقدم.
من العشوائية إلى الذكاء:
لقد انتقلنا من خرائط “خل الشمس عند حجاجك الأيسر” في شوارع وطرقات مدننا، إلى “لقد وصلت إلى وجهتك” في رحلة التنمية الشاملة.
هذه النقلة الحضارية تختصر إرادة أمة وطموح قيادة. وما زلنا نمضي بثقة نحو مستقبل أكثر ذكاء واتصالا ، نسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار، وأن يحفظ ولاة امرنا ودولتنا لمزيد من التقدم والعطاء.






