في ظل ما تشهده المملكة العربية السعودية من تحولات اقتصادية وتنموية غير مسبوقة، تبرز الحاجة إلى استحضار ادوات التفكير الاستراتيجي لاقتناص فرصا واعدة للنمو والاستثمار، ومن أبرزها قضية العقارات المهجورة في المواقع الحيوية.
في بعض المناطق والمدن السعودية، وعلى امتداد شوارعها الحيوية، تبرز مشاهد متكررة لعقارات مهجورة من مباني وأراضي تقع في مواقع استراتيجية لكنها تفتقر إلى التشغيل والاستثمار. هذه العقارات رغم موقعها المتميز تمثل هدراً اقتصادياً واستثمارياً وطنياً لا يليق تجاهله، خاصة في ظل التحولات الطموحة التي تشهدها المملكة ضمن رؤية ٢٠٣٠.
وعلى سبيل المثال، في محافظة جدة، وعلى طرق محورية مثل طريق الملك، طريق المدينة، طريق الحرمين، وطريق مكة، بل وحتى على الكورنيش والواجهة البحرية، تتناثر عقارات (اراضي، مباني) غير مستغلة، بعضها مهجور أو مُهمل منذ عشرات السنين. فهذه المواقع الحيوية التي أنفقت الدولة عليها مليارات الريالات في البنية التحتية والخدمات، لا تزال تنتظر من يحييها اقتصادياً ويعيد لها نبض الاستثمار.
خسائر متعددة الوجوه
إن ترك هذه العقارات دون تشغيل لا يعني فقط خسارة لأصحابها، بل هو خسارة وطنية متعددة الوجوه، فهي:
– خسارة في تدوير رأس المال
– خسارة في فرص التوظيف
– خسارة في تحفيز الحركة الاقتصادية المحلية
– خسارة في تعويض تكاليف البنية التحتية
وفوق ذلك، فإن استمرار هذه العقارات في حالتها المهجورة قد يؤدي إلى آثار بيئية واجتماعية سلبية، منها:
– تدهور بيئي يمكن أن تتحول إلى مواقع خطرة للتلوث والسموم مما يؤثر على الصحة العامة والبيئة.
– خطر على السلامة العامة قد تصبح مأوى لممارسة الأنشطة الإجرامية وتعاطي المخدرات وتشكل خطراً على المارة، خاصة الأطفال الذين قد يدخلونها بدافع الفضول
– تراجع في قيمة العقارات المجاورة تؤثر سلبا على قيمة العقارات المحيطة وجماليات المنطقة
– فرص ضائعة للتنمية تفقد المجتمعات فرصا لتنمية المساكن والخدمات والأنشطة الاقتصادية في هذه المواقع.
لذلك فإن معالجة هذه العقارات لا تقتصر على البعد الاقتصادي، بل تشمل أيضا إعادة إنعاش المجتمعات وتحسين جودة الحياة في المناطق المحيطة بها.
مقترح استراتيجي من الرصد إلى التفعيل
في ظل هذه المعطيات، تبرز الحاجة إلى مظلة رسمية تتبنى معالجة هذا الهدر الوطني، عبر خطوات مدروسة تبدأ بـ:
– رصد وحصر العقارات المهجورة في المواقع الحيوية بالتعاون مع الجهات البلدية والرقابية
– التواصل مع أصحابها الذين قد يكونوا غير مدركين لقيمتها الاستثمارية أو غير قادرين على تشغيلها
– تقديم خيارات متعددة مثل البيع، التأجير، أو الدخول في شراكات استثمارية مع مستثمرين محليين أو دوليين
– إيجاد اتحاد استثماري تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة يضمن تشغيل هذه الأصول وتحقيق عائدات مستدامة
كما يمكن اقتراح تشكيل لجنة وطنية مشتركة بين وزارة الاستثمار ووزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، تتولى حصر هذه العقارات وتقديم حلول تشغيلية واستثمارية لها، بما يضمن إعادة تدويرها اقتصادياً وتحويلها إلى مشاريع منتجة.
هذا المقترح لا يهدف إلى نزع الملكية أو فرض التشغيل، بل إلى تحفيز أصحاب العقارات على إدراك القيمة الحقيقية لأصولهم وربطهم بفرص استثمارية واعدة بما يتماشى مع استراتيجية الاستثمار الوطني التي تقودها المملكة.
رؤية ٢٠٣٠ والفرص الضائعة
تسعى المملكة من خلال رؤية ٢٠٣٠ إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز الصناعات والفرص الجديدة. ومن مهام وزارة الاستثمار كما ورد في استراتيجيتها تقييم اتجاهات السوق وتحديد الفرص الاستثمارية وربطها بالمستثمرين المحتملين.
فهل يمكن أن تكون العقارات المهجورة جزءا من هذه الفرص
الإجابة نعم وبقوة
فهي تمثل أصولاً جاهزة للبناء في مواقع مخدومة وتنتظر فقط من يُفعّلها. فتشغيلها يعني تحريكا لعجلة الاقتصاد المحلي، وخفضا لمعدلات البطالة، ورفعا للناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب تحسين المشهد الحضري وتعزيز الثقة الاستثمارية في المدن السعودية.
ختاماً:
إن العقارات المهجورة ليست مجرد مشهداً بصرياً مزعجاً، بل هي مؤشر اقتصادي واجتماعي مُهدر لموارد غير مستغلة. وتحويلها من حالة الجمود إلى حالة التشغيل هو خطوة استراتيجية نحو اقتصاد أكثر حيوية، وأكثر جذبا للاستثمارات وتحقيقا لتنميةً مستدامة.






