في عالمٍ تُقاس فيه الأعمال بحجم الظهور لا بعمق الأثر، يبرز مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية كأيقونة نادرة في زمن الضوضاء. إنه الصمت الذي يتحدث بلغة الفعل، والعطاء الذي لا يحتاج إلى أضواء ليُرى.
منذ نشأته، لم يكن هذا المركز السعودي مجرّد هيئة تعمل في مجال المساعدات، بل تجسيدٌ حيّ لفلسفةٍ إنسانية ترى في كلّ إنسان قيمة، وفي كلّ ألم واجبًا، وفي كلّ معاناة مسؤولية مشتركة. من اليمن الجريح إلى السودان المنهك، ومن غزة إلى الصومال، وصولًا إلى تونس وغيرها من بلدان العالم، يمتدّ عطاؤه بلا تمييز ولا حسابات، مدفوعًا بإيمانٍ بأن الرحمة لا تُجزّأ، وأن الإنسانية لا تُحدّ بحدود.
ورغم ما قدّمه من إنجازاتٍ يفوق أثرها ما تقوم به مؤسساتٌ تحيط بها الكاميرات وتلاحقها الأضواء، بقي المركز بعيدًا عن صخب الجوائز، متمسكًا بمبدأٍ أصيل: أن العمل الإنساني يفقد نقاءه حين يُقاس بالأضواء . فالقائمون عليه لم يسعوا إلى الألقاب ولا إلى التصفيق، لأنهم يدركون أن مكافأتهم الحقيقية هي نظرة امتنانٍ في عيون من أنقذهم الجوع أو الدمار، وابتسامة طفلٍ عاد إلى الحياة.
ولعل هذا السلوك المتجذر في ثقافة المركز يستمدّ روحه من جوهر الدين الإسلامي الحنيف، الذي جعل العطاء عبادةً لا رياء فيها ولا مَنّ، إذ يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
(سورة البقرة، الآية 264)
تلك الآية الكريمة تختصر فلسفة المركز في العمل الخيري: أن العطاء الحقيقي هو الذي يُقدَّم خالصًا لوجه الله، لا طلبًا للثناء أو تلميع الصورة.
اليوم،و بعد فوز العالم السعودي البروفيسور عمر ياغي بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2025، والذي عبر عن فخره بوطنه وبدعم سموّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان لمسيرة العلم والبحث، تتّسع دائرة الضوء لتشمل وجهًا آخر من وجوه المملكة: وجه العطاء الإنساني الذي يصنع السلام كما يصنع العلم مستقبلًا. فالرؤية التي جعلت من الإنسان محور التنمية جعلت منه أيضًا محور الرحمة.
لقد آن للضمير الإنساني أن ينصف هذا الكيان النبيل، وأن يلتفت إلى من يمارس السلام لا من يتحدث عنه. فـمركز الملك سلمان للإغاثة يستحق أن يُرشّح رسميًا لجائزة نوبل للسلام لعام 2026، لا بصفته مؤسسة سعودية، بل باعتباره رمزًا عالميًا لعطاءٍ خالصٍ من شوائب المصالح والسياسة.
إنها ليست مجرّد دعوة لترشيح مؤسسة، بل دعوة لإعادة تعريف السلام نفسه: السلام الذي يُزرع بيدٍ تمتدّ إلى الجائع، وبضميرٍ يرى في إنقاذ إنسانٍ واحد خلاصًا للبشرية جمعاء.
فحتى وإن لم تُمنح الجائزة بعد، فإن مركز الملك سلمان للإغاثة قد نال نوبل القلوب — تلك التي لا تحتاج إلى لجان لتمنحها، بل إلى إنسانيةٍ صادقة تعرف أين تضع التاج.






