
هل تعلم أن المملكة تمتلك أكثر من 10 آلاف براءة اختراع، لكن أقل من 5% منها تحولت إلى منتجات تجارية؟ السبب بسيط: هو ما يُسمي ب”بوادي الموت” بين المختبر والسوق حيث لا بمكن عبوره إلا بوقود خاص – يتمثل في توفر رأس المال الجريء.
فمن خلال عقود من العمل في التخطيط الاستراتيجي والتطوير في مؤسسات التعليم العالي ، أصبح واضحًا أن جامعاتنا تتصدر التصنيفات العالمية، لكن معظم إنجازاتها ظلت أكاديمية أو مجتمعية محمودة ومحدودة الأثر.
ويكمن الحل في توافر رأس المال الجريء + الأوقاف الجامعية لتتحول المخرجات المعرفية الى منتجات منافسة تدعم رؤية 2030.
فما هو رأس المال الجريء؟
رأس المال الجريء هو تمويل عالي المخاطر يُقدم للشركات الناشئة ذات الإمكانات الهائلة، مقابل حصة في رأس المال. لا يعتمد على الضمانات المالية، بل على ثلاثة عناصر أساسية: الفريق، السوق، وقابلية التوسع.
يأتي في المرحلة الحرجة بين إثبات المفهوم (TRL 6-7) والإنتاج التجريبي (MRL 7-8)، حيث تنتهي المنح الحكومية وتبدأ متطلبات التمويل الكبيرة.
ويتميز بثلاث خصائص رئيسية:
• تمويل مرحلي يبدأ من البذور (Seed) ويصل إلى جولات متقدمة (Series C)
• شراكة استراتيجية توفر الخبرات والشبكات
• خروج مخطط سواء عبر الطرح العام الأولي (IPO) أو البيع
فرأس المال الجريء لا يُموّل فقط، بل يُحوّل.ويُوطّن التقنية بتحويل براءات الاختراع إلى منتجات محلية. ويخلق وظائف عالية القيمة – حيث تنتج الشركات المدعومة به 70% من وظائف التقنية العميقة. ويُنوّع الاقتصاد بصادرات تقنية تعزز الدخل الوطني غير النفطي ويجذب الاستثمار الأجنبي من خلال فتح أبواب الشراكات العالمية.
وهناك خمسة أركان أساسية لتحقيق هذا التحول، لا بد من توفرها وهي: أولاً، مكاتب نقل التقنية (TTOs) التي تعمل كجسر بين الباحثين وصناديق الاستثمار. ثانيًا، الشركات المنبثقة (Spin-offs) التي تحمل براءات الاختراع من الجامعة إلى السوق. ثالثًا، بيئة تنظيمية داعمة تمنح تراخيص سريعة وحوافز ضريبية. رابعًا، ثقافة ريادية داخل الجامعات من خلال برامج تسريع وتدريب على عرض المشروع (Pitch). وخامسًا، شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص مثل أرامكو، STC، والبنك الأهلي.
كما أن الأوقاف الجامعية والشركات غير الربحية التابعة لها ليست مجرد مصادر تمويل، بل صناديق استثمارية داخلية تدعم المشاريع في مراحلها الأولى (Pre-Seed وSeed)، قبل وصولها إلى صناديق رأس المال الجريء التقليدية.
ففي جامعة الملك عبدالله (KAUST)، تدير الأوقاف صندوقًا استثماريًا بقيمة 500 مليون دولار، استثمر في شركتي Red Sea Farms وIyris، مما ساعد في تحويلهما إلى شركات تجارية ناجحة.
أما في جامعة الملك سعود، فتدعم شركتها غير الربحية “وادي الرياض” الشركات الناشئة بتمويل أولي، ثم تربطها بصناديق مثل STV وWa’ed Ventures.
وفي جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، تمول الأوقاف برنامج تسريع أعمال أنتج 12 شركة ناشئة في 3 سنوات فقط.
وهناك نموذج وقفي مميز في جامعة الملك عبدالعزيز
حيث يُعد الوقف العلمي مثالًا حيًا على تحويل التراث الوقفي إلى محرك ابتكار، من خلال توفير موارد مستدامة لدعم البحث والتعليم.
أما مركز المبدعون للدراسات والاستشارات والتدريب – التابع له – فيقدم حلولًا إبداعية غير نمطية: إعداد دراسات الجدوى، تحديد فرص الاستثمار، استشارات استراتيجية في التنمية الاقتصادية والبشرية والسياحة، بالإضافة إلى تدريب الكوادر الوطنية وإجراء دراسات بيئية وهندسية متنوعة – مثل مكافحة التلوث وتسهيل الحج والعمرة – مستخدمًا تقنيات حديثة وتحالفات عالمية.
هذا النهج يقلل المخاطر على الصناديق الخارجية، ويضمن استمرارية العوائد، ويربط الابتكار بالأثر الاجتماعي.
وهناك نماذج ناجحة فنحن لم نخترع العجلة، بل نُحسّنها
بل نتعلم منها ونبني عليها.
عالميًا، بدأت جوجل كمشروع بحثي في ستانفورد، وحصلت على 25 مليون دولار من Sequoia Capital، لتصبح اليوم شركة بقيمة تريليون دولار.
أما تيسلا، فانطلقت من بطارية أكاديمية بتمويل 7 ملايين دولار، لتصل إيراداتها إلى 100 مليار دولار.
وإقليميًا، بدأت كريم كفكرة نقل ذكي بتمويل 500 مليون دولار، ثم بيعت لأوبر بـ3.1 مليار دولار.
وسوق.كوم تحولت من منصة محلية إلى عملاق بيع لأمازون بـ580 مليون دولار.
محليًا، نجحت Red Sea Farms في تحويل بحث KAUST حول الزراعة المالحة إلى منتجات مستدامة بفضل Wa’ed Ventures.
وIyris طورت تقنية تبريد ذكية توفر 40% من الطاقة بتمويل 10 ملايين دولار من STV.
أما Salla، فبدأت كأداة برمجيات كخدمة (SaaS) بسيطة في 2016، وحصلت على 130 مليون دولار من Investcorp في 2024، لتخدم اليوم أكثر من 30 ألف متجر نشط، مساهمة في سوق تجارة إلكترونية يتجاوز 20 مليار دولار بنمو 25% سنويًا.
وخلال النصف الأول من 2025، بلغت استثمارات رأس المال الجريء في المملكة 1.34 مليار دولار.
لذلك فإن رأس المال المغامر في رؤية 2030: ليس رفاهية، بل ضرورة
ورأس المال الجريء ليس خيارًا، بل أداة أساسية في تحقيق رؤية 2030.
فبرنامج تطوير الصناعة الوطنية يعتمد على تحويل الأبحاث إلى منتجات.
والابتكار وتمويل البحث يدعم الشركات المنبثقة ومكاتب نقل التقنية.
أما هدف رفع مساهمة القطاع الخاص من 40% إلى 65% فيتحقق عبر الشركات الناشئة المدعومة برأس المال الجريء.
والخلاصة تتمثل الآن هو أن توفير رأس المال الجريء – مدعومًا بأوقاف الجامعات وشركاتها غير الربحية – ليس تمويلاً، بل نظام بيئي كامل يحول المعرفة إلى ثروة وطنية.
وفي ظل رؤية 2030، الاستثمار فيه ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية تتحقق بالاخذ التوصيات العملية التالية :
1 إنشاء صندوق وطني للجامعات بـ500 مليون ريال (نموذج KAUST).
2 إلزام الجامعات بإنشاء مكاتب نقل تقنية وتحديد مؤشرات أداء (عدد الشركات المنبثقة سنويًا).
3 تفعيل الأوقاف الجامعية كمصدر تمويل أولي لمرحلة Pre-Seed.
4 إطلاق برنامج تدريبي وطني “من البحث إلى IPO” يدرب 1000 باحث سنويًا على اكتشاف الفكرة، إثبات المفهوم، بناء الشركة، جذب التمويل، والخروج الناجح.
5 إنشاء منصة وطنية (مثل InvestSA) تربط الجامعات بصناديق رأس المال الجريء.
“الابتكار بدون رأس مال جريء كالطائرة بدون وقود: تصميم رائع، لكنه لن يقلع أبدًا.”
الآن هو وقت الإقلاع – برؤية 2030، وأوقاف داعمة، وشراكات وطنية.
والأمل معقود بعد الله على تعزيز مثل هذه الشراكات فتتحقق الرؤية بإقتصاد المزدهر في مجتمع حيوي ووطن طموح
وما ذلك على الله بعزيز






