المقالات

هواة الاخطار في موسم الأمطار ؟!

في كل عام ومع أول غيمة تنشأ في السماء لتخبرنا بقرب ميلاد موسم الشتاء ، يظهر لنا أولئك الفرسان الموسميون الذين يعلنون بكل جرأة وعدم وعي بداية مغامراتهم مع الطبيعة فهؤلاء الشجعان –كما يخيَّل لهم – تراهم يمسكون بمقود سياراتهم بثقةٍ عالية تُدهش الجن والأنس، فينطلقون في مغامرة لا تختلف كثيرًا عن محاولة فاشلة لعبور محيطٍ بواسطة قاربٍ من ورق فتراهم يسابقون السيول ،ويدخلون بطون الأودية كما يدخل البطل السينمائي ساحة المعركة، وهم غير مدركين أن الفرق الوحيد بينهم وبين ذلك البطل هو أن الأوّل يخرج من مشهده التمثيلي حياً وقد حاز على الملايين من الريالات . أما اولئك المساكين ، فالمشهد عندهم واقعيّ إلى حد قد تزهق معه أرواحهم وتتلف ممتلكاتهم وكل ذلك من أجل لقطة ترند تسجلها العدسات لتوثيق تلك ( الحماقات ) عفواً تلك البطولات الوهمية.

وإذا ما حاولنا أن نغوص في أعماق هذه الظاهرة الخطيرة التي باتت مصدر قلق حتى للجهات الأمنيّة فإن ظهور تلك الفئة العجيبة التي تُقرّر – بكل ثقة وفخر – أن تتحدّى ظواهر الطبيعة خاصة في موسم الأمطار عندما يخرجون بسياراتهم ذات الدفع الرباعي وهم رافعين شعارهم الخالد: إمّا النصر أو الغرق في مقاطع مُحرِجة يتداولها الناس حتى نهاية الموسم. حيث يرون أنفسهم خبراء في كل شيء من احتراف للقيادة إلى معرفتهم بعلم الأرصاد فتراهم يقفون أمام السيل، يحدّقون فيه بعمق، ثم يقول أحدهم وهو يشد شماغه على رأسه في استعداد للحرب الخاسرة سأقطع هذا المجرى ولن يقف أمامي أي شيء !وكأن الماء سيقف احترامًا لهذا القرار البطولي الذي ستتكشف تفاصيله بعد دقائق معدودة من دخوله إليه فمن كان يظن نفسه أنه “عنترة السيول”، ستراه يصيح كصياح الحارث بن عباد : قربا مربط الإنقاذ مني .. لِقِراعِ الأَبطالِ يَومَ النِزالِ حيث تبدأ قواه تنهار وهو يصارع أمواج السيل العاتية وكأن لسان حاله يقول : أنقذوني و أعدكم لن اكررها مرة ثانية !

وختام القول فإن السيل ليس اختبارًا للشجاعة، ولا الماء المتدفق شهادة بطولة تنتظر توقيعكم. فالطبيعة ليست ملعبًا ولا خصمًا تحتاجون لإثبات مهارتكم أمامه. لإنّها تعطي إشاراتها بوضوح، وتقول بصوتٍ خافت لمن يفهم: الزم بيتك، ولا تُحمِّلني ذنب تهورك فالمطر نعمة، والسيل مشهد مهيب، ولكنّ التعامل معهما يحتاج عقلًا لا كاميرا، وحذرًا لا استعراضاً . فالبطولة الحقيقية ليست في الاقتراب من الخطر بل في العودة إلى المنزل سالمًا دون أن تُصبح “ترندًا” على حساب حياتك وحياة الأخرين .
فيا من تتحمسون لعبور تجمعات المياه، ويا من ترون في السيل فرصة لتجربة جديدة، اجعلوا الأمطار لوحة جميلة نُطلّ عليها من النوافذ ، لا مسرحًا لكوارث تُعرض مآسيها في نشرات الأخبار ، وتذكّروا أن العودة للوراء ليست هزيمة، والاحتياط ليس ضعفًا، بل هو احترامٌ للحياة ولمن ينتظرونكم خلف الأبواب .

وخزة قلم :
الشعور بالبطولة في غير موضعها ليس بطولة، بل تهوّرٌ يكتب نهايات محزنة !

عبدالرحمن العامري

تربوي - كاتب صحفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى