قامة ولدت ونشأت في مكة المكرمة، شاب ليس ككل الشباب، أدرك منذ نعومة اظفاره ان العيش في مجتمع متعدد الثقافات يتطلب منه ان يضع هذه الثقافات نصب عينه حتى يستحوذ على قلوب أهلها وينال محبتهم لا ان يتقوقع داخل ثقافة ذويه. التحق بجامعة ام القرى وحصل فيها على الدكتوراه والتي جمع فيها بين العلوم الشرعية والعلوم الاقتصادية.
لم يكن كغيره من بعض العلماء والأساتذة الجامعيين الذين اغتروا بلقب دكتور، بل سخر هذا المؤهل لخدمة الناس وتنفيس كرباتهم. كان لين الجانب طيب النفس معمّرًا لمساجد الله، لا يدخل مجلسًا حتى ينثر فيه البهجة والسرور. كان حريصًا على التعرف على كل من يقابله حتى على كنياتهم وأسماء أبنائهم.
أراد اللّٰه جل وعلا ان ينفع به الناس في مكة المكرمة فعمل وكيلًا لجامعتها ام القرى، والمدينة المنورة فتبوا منصب مدير الجامعة الإسلامية بها ونقلها الى مصاف الجامعات الرائدة فعلّم الناس ان الإدارة لا تعني التسلط وفرض الرأي. كان عدوًا للبيروقراطية والمركزية التي يستخدمها البعض لإفراغ شحنات ازماتهم النفسية في جلب المشقة للآخرين وأدرك ان الجامعات ما أقيمت الا لمصلحة الطلاب ثم الأساتذة وليس العكس. وكان من توفيق اللّٰه له انه قابل ربه ويده لم تتلطخ بالمال الحرام بالرغم من سيل الأموال التي تتدفق على الجامعة للنهوض بها ورحل نظيف الكف بالرغم من تزيين من كانوا لا يرون بأسًا في ذلك.
اما على الجانب الإنساني فكان اول سعودي بالمرتبة الممتازة يحمل أكياس الزاد والطعام بنفسه ويطرق أبواب الفقراء والمساكين والجيران ويوزعها على بيوتهم. وكان يتلمس احتياجات الطلاب باختلاف الوانهم والسنتهم وجنسياتهم وكان يمازحهم ويلاطفهم ويقضي حاجاتهم.
كنت اراه لا يقابل الإساءة بالإساءة يل يدفع بالتي هي أحسن وكنت كثيرًا ما اسأله لماذا لا تنتقم لنفسك فيقول لي: ومن قال لك ان الانتقام يريح النفس، بل يعمي بصيرتها ويزدها غلاً للناس، وفطن الى مسألةٍ مهمة اثناء عمله الجامعي وهي عدم إعطاء الفرصة للبعض الى تصفية حسابتهم عندما يوكل إليهم اتخاذ قرارات بشأن مصلحة تخص زملائهم.
وكان من نعم اللّٰه عليه والتي أعدته لهذه المنزلة هي والديه وبالذات والدته -رحمها اللّٰه- والتي كان يستقي منها العطف والحنان صباح كل يوم، وأخيه الأكبر الشيخ فراج العقلا -رحمه اللّٰه- الذي كان سندًا وعونًا له، ثم زوجته الفاضلة التي وقفت وراءه ودعمته بصبرها وحبها للخير واعدت للمجتمع كمًا من اولادها ليكونوا أساتذة في الجامعات.
انزوى قبل موته الى حدٍ ما خوفًا بعد ان أصبح يصعب عليه تقديم يد العون للآخرين بأعدادهم الكبيرة بعد ان تيتم كُرسيُه القيادي، ولكنه تواصل مع محبيه وذويه وظل بيته لا يخلوا من الضيوف والذي يكرمهم اشدَّ ما اكرام.
واخيرًا: لعلك أدركت يا رفيق الدرب، لأكثر من أربعين سنة، ذلك الحجم الهائل من محبيك الذين حضروا لتشييعك وهم يطرقون سطح قبرك بخطواتهم. لقد رحلت روحك الطيبة الى بارئها وحقَّ لها ان ترحل فلم يعد الزمان زمانك ولا الناس ناسُك، زمان أصبحت فيه صناعة المعروف عملة نادرة، ايتامك ليسوا اولادك فقط، بل كلنا ايتامك.
رحمك اللّٰه أبا اطارق واسكنك فسيح جناته وجعل البركة في عقبك واختم بقول الشاعر الهمداني:
لعَمرُك ما الرزيّة فقد مال
ولا فرسٌ تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد شخص
يموت بموته خلقٌ كثير
• أستاذ متقاعد من جامعة ام القرى