المقالات

محمد العقلا.. أمةٌ في رجل واحد

بقلوبٍ يعتصرها الألم، ونفوسٍ راضية بقضاء الله وقدره، ننعى معالي الأستاذ الدكتور محمد بن علي العقلا – رحمه الله – الذي انتقل إلى رحمة الله بعد معاناة مع المرض، تاركًا خلفه إرثًا علميًّا وإنسانيًّا خالدًا في ذاكرة كل من عرفه.

– لقد خسرنا أمةً في رجلٍ، رجلٌ يحمل أسمى المعاني وأجملها: عالماً في مجاله، وفقيهًا في تخصصه، وقاضيًا منصفًا، ومعلمًا لطلابه، ومربيًا لأبنائه وطلابه، ونموذجًا للقائد العادل المنصف، وقامة أكاديمية شامخة، وراعيًا لأهل العلم، وعونًا لكل من قصده. جمع -رحمه الله- بين العلم والفقه والقيادة مع التواضع ولين الجانب والحكمة والإنصاف والكرم.
– له في ذاكرتي موقف جعلني ممتنة له وأرفع له أسمى آيات العرفان بالجميل، فقد كان له فضلٌ عليَّ، وأثرٌ عميق لا أنساه؛ إذ كان سببًا – بعد توفيق الله – في حصولي على جائزة التفوق العلمي التي تشرفتُ باستلامها من حرم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد –رحمه الله– إذ كنتُ لا علم لي بها، وكان -رحمه الله- وكيلًا للدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة أم القرى، وحينما تأمَّل شهادتي في الدكتوراه ومعدلي اتَّصل بي لأقدم أوراقي للحصول على الجائزة، علمًا بأنَّ العديد من الطلاب والطالبات كانوا قد رفعوا أوراقهم للحصول على الجائزة، ولكن الحق عنده كان لا يضيع أبدًا.
– وفي مشهدٍ جسَّدَ المعنى الحقيقي لتواضع القائد العظيم؛ فقد استضافنا -رحمه الله- لحضور مؤتمر في الجامعة الإسلامية، واحتفى أمامنا بالعلماء والمفكرين، لدرجة أنني رأيته بأمِّ عيني يستقبلهم في المطار، ويحمل حقائبهم؛ فتعلمتُ منه حينذاك درسًا عمليًّا لمعنى قوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
– لطالما ردَّدتُ اسمه في ثنايا حديثي بين أهلي وصديقاتي؛ بامتنانٍ وتقدير، فمواقفه ظلَّت ولا زالت عالقةً في ذهني، تؤكد كرم خلقه، وسديد رأيه، وصفاء سريرته، حتى أن صديقاتي قدمن لي عبارات العزاء والمواساة في وفاته لكثرة ما سمعوا مني عن مناقبه، وأبنائي التفتوا لخبر وفاته، وقدموا لي المواساة كأنه أقرب قريبٍ لي.
لكن. لا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون. رحمه الله رحمة الأبرار، وجزاه بالإحسان إحساناً، وجعل مقره الفردوس الأعلى من الجنة؛ بصحبة الأنبياء والمقربين وحسُن أولئك رفيقًا. وأحسن الله عزاء مكة والمدينة في فقده، وعظَّم الله أجرنا وأجر أهله وذويه ومحبيه وزملائه وطلابه وكل من كان له -رحمه الله- فضلٌ عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى