في ظل التطورات التعليمية والاجتماعية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، برزت ظاهرة السعي الحثيث وراء المدارس الدولية التي تُقدّم العلوم المختلفة باللغة الإنجليزية. وتُعتبر هذه الظاهرة استجابةً للعولمة وتأثيراتها على التعليم، وقد أدت إلى تهميش اللغة العربية بين المنتسبين إليها من أبناء الجيل الحالي، ووضعتها في موقع خطير. إنّ ما يحدث الآن من الركض وراء المدارس الدولية في السعودية التي تتبع مناهج تعليمية أجنبية مثل المنهج الأمريكي أو البريطاني، يعدّ أمرًا غير مسبوق؛ إذ تُركّز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية كلغة تعليم أساسية، وهذا التوجّه يُسهم بإضعاف اللغة العربية، خاصةً عند النشء الذين يتلقّون تعليمهم باللغة الإنجليزية في معظم المواد الدراسية. وقد أشارت تقارير وزارة الثقافة السعودية حول وضع العربية المقلق لأنّها لغة الهوية، وتُشدّد على أهمية الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز استخدامها في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم.
ومن أبرز مخاطر إهمال اللغة العربية فقدان الهوية الثقافية؛ فاللغة العربية جزء أساس من الهوية الثقافية السعودية خاصة والعربية عامة، علاوة على أنّه يؤدي الى ضعف التواصل بكافة أشكاله؛ فاللغة العربية هي لغة التواصل الأساسية في المجتمع السعودي، وإهمالها يمكن أن يؤدي إلى ضعف التواصل بين أفراد المجتمع؛ فكم من أسرة سعوديّة يتواصل أفرادها بلغة أجنبية مما يشكل تأثيرًا سلبيًا على اللغة. كما لُوحظ وجود تأثيرات سلبية على التعليم؛ فبينما يظنّ الأهل أن التحاق الأبناء بالمدارس الدولية أمرًا يصبّ في صالح الأبناء، ويساعد على التحاقهم مستقبلًا بالتعليم الجامعي الأفضل وأنه يتيح لهم القبول في تخصصات النخبة –ان جاز التعبير– إلا أنّ التجربة أثبتت العكس. فمعظم خريجي المدارس الدولية يكملون تعليمهم في جامعات خاصة وتخصصات ثانوية. وقد أثبت البحث الاجتماعي والعلمي أن تمكّن الطفل من لغته الأم تحدّثًا وكتابة يعزّز من قدرته على تعلّم أية لغة أخرى. إنّ اللغة العربية هي لغة أساسية في التعليم الديني والثقافي في المملكة العربية السعودية ولاشك أن إهمالها يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية على التعليم الديني والثقافي.
وفي ظل هذا الاندفاع نحو المدارس الدولية التي تبالغ في رسومها المالية بحجة تقدبم برامج تعليمية دولية متميّزة، تظل هناك حلول ممكنة فإن المحافظة على اللغة العربية، تتمحور حول تعزيز استخدامها في المدارس الدولية وغيرها من خلال زيادة عدد الحصص المخصصة لها، وتوفير بيئة تعليمية تشجّع على استخدامها، كذلك تشجيع استخدامها في الحياة اليومية كما لا يجب التغاضي عن بعض الممارسات اليومية الشائعة التي أدّت الى تهميش العربية، فأصبح تشجيع استخدامها في الحياة اليومية واجبًا ، خاصةً في المجالات التي تتعامل مع الجمهور. ومن الحلول المقترحة دعم البرامج الثقافية التي تعزّز العربية وتحافظ عليها، مثل البرامج التلفزيونية والإذاعية والفعاليات الثقافية.
وفي الختام تأييدًا لما قاله خالد الباتلي أن “اللغة العربية ليست خيارًا بين لغتين، بل هي عنوان وطن وهوية أمة، ومن لا يتحدث لغتنا في بلادنا فعليه أن يتعلّمها قبل أن يتحدّث باسمنا. وهذه ليست دعوة للانغلاق ورفضًا للّغات الأخرى بل دعوة للكرامة والسيادة والهوية.” وبالتالي فإنّ السعي غير المبرر وراء المدارس الدولية التي تُقدّم العلوم باللغة الإنجليزية أدى إلى وضع اللغة العربية في موقع خطير. وينبغى على وزارة التعليم العودة الى ما كان عليه الوضع من تقديم المقررات العلمية باللغة العربية في التعليم الأهلي واتخاذ إجراءات لتعزيز اللغة العربية والحفاظ عليها، من خلال تأكيد حضورها في المدارس وتشجيع استخدامها في الحياة اليومية ودعم البرامج الثقافية لنتمكن من الحفاظ على الهوية الثقافية السعودية وتعزيز التواصل بها بين أفراد المجتمع.




