من موقع المسؤولية الإعلامية، ومن منطلق الدور التوعوي الذي تؤمن به صحيفة مكة الإلكترونية، تأتي هذه الرسالة لا بوصفها نقدًا عابرًا، ولا تحميلًا للأشخاص، بل باعتبارها قراءة صادقة في مسارٍ يستحق التوقف، لأن كرة القدم السعودية اليوم تملك من الدعم والثقة ما يجعل أي إخفاق سؤالًا مشروعًا، وأي صمتٍ عنه عبئًا مضاعفًا.
الفشل، حين يطول، لا يبقى نتيجة مباراة أو خروج بطولة، بل يتحول إلى مؤشر يستدعي المراجعة. المشكلة ليست في الإخفاق بحد ذاته، فذلك جزء من الرياضة، بل في استمراره دون مساءلة واضحة، لأن الفشل الممتد غالبًا ما يعكس خللًا بنيويًا في الإدارة والتخطيط، لا ظرفًا عابرًا ولا سوء حظ.
لقد حظيت الرياضة السعودية، والمنتخب تحديدًا، بدعم غير مسبوق من القيادة الرشيدة – حفظها الله – دعم تجاوز الإمكانات المالية إلى الثقة والمساحة والتمكين. لكن التجارب العالمية تؤكد أن الدعم، مهما كان حجمه، لا يصنع إنجازًا ما لم يُترجم إلى مشروع فني واضح، بأهداف قابلة للقياس، ومسارات زمنية، ومؤشرات أداء تُراجع وتُقيّم.
وحين يصبح تغيير المدرب هو رد الفعل الأول بعد كل إخفاق، فإن الإشكال لا يكون فنيًا فقط، بل يعكس غياب رؤية متكاملة. المدرب جزء من المنظومة، وليس المنظومة ذاتها، واستبداله المتكرر دون مراجعة شاملة لا يصنع استقرارًا، بل يؤجل مواجهة الأسئلة الأصعب المتعلقة بالتخطيط، والحوكمة، وتقييم الخيارات.
الأخطر من الهزيمة، هو غياب التقييم بعدها. حين لا تُنشر تقارير مراجعة واضحة، ولا تُشرح القرارات للجمهور، يتحول الخطأ إلى سلوك متكرر، ويصبح الفشل مألوفًا بدل أن يكون دافعًا للتصحيح. المؤسسات القوية لا تخشى التقييم، بل تجعله أداة حماية لمسارها.
كما أن تطور الدوري المحلي استثماريًا، وهو إنجاز يُحسب، لا يعني بالضرورة قوة المنتخب فنيًا. العلاقة بين المسابقتين ليست تلقائية، بل تنظيمية، وتتطلب توازنًا دقيقًا بين مشاركة اللاعب المحلي ومتطلبات المنافسة الدولية، وهي معادلة لا تُحل بالعاطفة، بل بقرارات شجاعة ومدروسة.
إن النقد المسؤول ليس خصومة، بل شريك إصلاح. المحاسبة ليست تشهيرًا، بل أحد أعمدة الحوكمة، وغيابها لا يحمي المؤسسة، بل يطيل عمر أزماتها. والانتقال من إدارة ردود الفعل إلى إدارة النتائج هو التحدي الحقيقي لأي اتحاد يطمح إلى الاستدامة.
والجماهير السعودية، كما نراها اليوم، لم تعد تطالب بالمعجزة ولا بالكأس الفوري، بل تطالب بحق مشروع: رؤية واضحة، مسؤوليات معلنة، ومشروع منتخب يُفهم ويُقيّم. هذا الوعي الجماهيري المتقدم هو فرصة، لا ضغطًا، وفرصة لبناء ثقة طويلة الأمد.
هذه الرسالة لا تُكتب من مقاعد المتفرجين، بل من إيمان بأن الإصلاح ممكن، وأن اتخاذ القرار في اللحظة الصعبة هو ما يصنع الفارق. والاتحاد السعودي لكرة القدم، بقيادتكم، يملك اليوم فرصة حقيقية للانتقال من مرحلة التشخيص إلى مرحلة البناء، بما يحقق تطلعات القيادة، وآمال الجماهير، وجودة المخرجات التي تليق باسم الوطن.






