عوضه الدوسي

معيض القافري المكانة والريادة

لم يكن القافري خامل الذكر, منسي السيرة, بل كان ولا يزال حاضرًا في ذاكرة الجمع، وملهمًا للجميع, وذلك من خلال حضوره الفاعل في تلك الفترة التي امتدت خلال القرن الثاني عشر الهجري, فقد ذاع صيته ولمع نجمه بومض بارق بين كل القبائل, واكتسب قيمة عالية من خلال شعره الذي وظف كطاقة تأثيرية في كل الأنساق الاجتماعية, كالمناسبات على تنوعها والنزاعات على تعددها واختلافها وكذا الإصلاح بين القبائل, والحث على فعل الخير، ونصرة المظلوم, وغيرها من القضايا الاجتماعية, والتي تشهد له كل قصائده بدواعي نظمها والمناسبات التي قيلت فيها, الأمر الذي أتاح إيصال رسالة لمن حوله كون تلك القصائد تحمل في مضامينها اتجاهات مختلفة ففي جانب الوعي يقول :

يا جاهل ما يدري = حواكم الله تجري
مع طلوع الفجري = وإلا العتيم التالي

وذلك عندما استدعى قصة يوسف -عليه السلام- من عمق غائر في التاريخ، وهذه دلالة وعي ورغبة في إيقاظ الآخرين من نوازع الشر وظلام الظلم حينما قال:

جرت في أولاد يعقوب = أقفوا ويوسف مكبوب

وفي جانب الابتهالات، والتضرع إلى الله والمصحوبة برغبة ورهبة منه يقول :

سبحانك أنت الغفار = يالله نجير بك م النار
ومن جميع الأوزار = إلى وفى المكيالــــي

يظل القافري شخصية نادرة ففي تلك الفترة كان الناس تشتغل بما هو محاط بها في ظل شظف العيش وضيق الحياة, وذلك قبل العهد السعودي الزاهر ولكن القافري ظل حاضرًا وهذا الحضور مستمر في ذاكرة الأجيال على مر السنين ولا يزال، وعلى الأخص ممن هم مهتمون بالتاريخ والأدب الشعبي كل ذلك يأتي ضمن ما يتمتع به القافري من مكانة عالية في مجتمعه إلى جانب ريادته كمقدام يحمل صفات القيادة؛ ونظرًا لما له من إرادة قوية في مواجهات المواقف الصعاب منصفًا للخصوم ومواسيًّا بين الجميع، وقد ظهر ذلك واضحًا جليًّا في معظم قصائده ولهذا تناوله الكثير من الباحثين في الجوانب الاجتماعية والتاريخية إلا أن هذا لا يعد كافيًّا لشخصية كبيرة مثل الشيخ معيض على الأقل من وجهة نظري؛ ولذا انتهز هذه الفرصة لدعوة المؤرخين للتوسع حول هذه الشخصية الفذة والإسهاب في كل ما أسهمت فيه حتى يعرف هذا الجيل ذلك التاريخ المشرق والمشرف لشخصية من أبناء زهران ومن قبيلة بالحكم تحيدًا.

أما ما يتعلق بالجانب الفني قد تطرق إليه الأستاذ محمد ربيع الغامدي في مجلة “اليمامة” من خلال رؤيته الفنية للألوان، وتحديدًا اللون الأخضر الداكن والذي عرف في الأوساط الفنية العربية باسم اللون الجنزاري، وهذا اللون خاصًا بالطبيعة وقد يرتسم بشكلٍ أوضح في الأشجار والشجيرات في منتصف فصل الشتاء، وقد تطرق الغامدي إلى ذلك من خلال البعد الفني، وكيف أن القافري وظف ذلك اللون لترتسم لوحة جميلة باعثة إلى المتلقي البعد الجمالي للغابة.
رحم الله الشاعر الرمز القافري الذي عاش حالات من التنوع، وأسهم في الميدان الاجتماعي والثقافي بكل مستوياتهما.

عوضة بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com