
استعرض الدكتور حسين بن محمد نجار، محطات هامة من تاريخ الإذاعة السعودية والتحديات التي واجهتها في البداية وموقعها اليوم في ظل التحديات المرتبطة بوسائل الإعلام الجديد.
وأوضح النجار، خلال مشاركته في ندوة حول “الإعلام والعلاقات العامة في خدمة الوطن” أن الإذاعة ولدت بعد الصحافة الورقية التي بدأت في مكة المكرمة وامتدت إلى كافة مناطق المملكة، وجاءت لتواكب مرحلة بناء المملكة ووضع أركانها على يد الملك المؤسس رحمه الله، حيث كان التعليم شحيحا والأمية طافحة بين الناس.
وأضاف: ولدت الإذاعة عام 1368 هجرية، وكان ميلادها فتحا جديدا لكل المواطنين والمواطنات الذين بدأوا يتلقون المعلومات من الراديو دون عناء أو تعب، فلعبت الإذاعة دورا كبيرا في خدمة المجتمع وانتشاله من الأمية وتسخير ساعات البث بين التعليم والمعرفة والتنمية والتوعية.
وأشار إلى أن الإذاعة في بداياتها لم تكن متوفرة إلا عند عدد قليل من الناس، وعلى الرغم من ذلك كان الأقارب والجيران يجتمعون مع بعضهم للاستماع إلى برامجها المحدودة التي لم تكن تتخطى الساعة أو الاثنتين، حيث كان استراق السمع مسموحا في ذلك الوقت (من الإذاعات) التي كانت نادرة ولا توجد إلا عن فئة قليلة من الناس.
ولفت إلى وجود رسوم باهظة على الراديو في البدايات، والتي قرر الملك عبدالعزيز رحمه الله، إلغاءها ليتمكن الجميع من امتلاك الراديو والاستماع إلى موجات البث التي انقسمت إلى البرنامج العام الذي يتناول الأخبار المتعقلة بالجهات الحكومية والرسمية والبرنامج الثاني الذي تنوع بين الترفيه والموسيقى والثقافة.
واستطرد: هذا الأنيس الجليس بات المتلقي لا يستغني عنه، وتدخل نشرة الأخبار إلى كل بيت ويستمع إليها المتلقي مهما كان مستواه العلمي، فهي تخاطب الأذن قبل العين وتقدم المعلومة للمتلقي بكل سلاسة، وأتذكر نتائج المرحلة الابتدائية كانت تحصل من خلال الراديو، وكانت الأسر تنتظر الإذاعة لتعرف أسماء الناجحين وكان البعض يخجل من إذاعة أسماء بعض المدارس التي لم ينجح فيها أحد.
واسترسل: كانت تحدث أخطاء في قراءة الأسماء، فيظل المستمع ينتظر اسمه، ويبقى الحزن طاغيا على وجدانه حتى تأتي المعلومة من وزارة المعارف، وهذا نموذج للإيقاع الذي كانت الإذاعة تمثل صلة الوصل الأساسية للمواطنين.
واستكمل: من مبادئ الإذاعة التي بنيت عليها، أنها قامت بواجب التعليم والتوعية والتثقيف والإعلام الإخباري والندوات والطروحات ثم التفتت إلى فئات المجتمع حسب تكويناته العملية، فالمزارعين تم تخصيص برامج خاصة بالزراعة كانت تعد هذه البرامج وزارة الزراعة وتقدم للمزارع من الصباح الجرعة المعلوماتية التي تعينه على القيام بأعماله الزراعية على أكمل وجه، والصحة لها برنامج صحة تقدم فيه التوعية الصحية للمواطنين على مختلف أعمالهم، ولربات البيوت والطلبة والموظفين برامج خاصة تقدمها وزارة الخدمة المدنية والتعليم وغيرها، وكذلك الجنود برامج خاصة للحرس الوطني ووزارة الدفاع، فلكل فئة تحظى بزاوية خاصة من الإذاعة.
وأبرز النجار، أن البرامج كانت هادفة وتوجه توجيها سليما حسب حاجة المجتمع، ولم تغفل البرامج الترفيهية التي تنوعت بين المسلسلات والبرامج الخفيفة مثل الشعر والموسيقى والكلمات الخفيفة، والبرامج الجادة والندوات في المناسبات المختلفة مثل اليوم الوطني الذي كانت تفرد له الإذاعة مساحة جيدة تلتقي المفكرين والمثقفين والأدباء.
ونوّه بالخطة الخماسية التي حظيت ببرامج مهمة عندما بدأت عام 1390 للهجرة، وهي خطة تنموية كل خمس سنوات، وعندما تصدر الميزانية تتولى الإذاعة الحديث عما تحمله الميزانية في مجالات الصحة والبنية التحتية والتعليم وغيرها، وظلت هذه الرسالة قائمة إلى يومنا هذا.
واستدرك: عام 1403 للهجرة، أعتبر هذا يوما جديدا حيث قسمت الإذاعة جهدها إلى قسمين البرنامج العام وتولته إذاعة الرياض والثاني اسمه البرنامج الثاني إذاعة جدة، الأول يمثل التوجه الرسمي التي تبثها البرنامج العام والترفيه والمنوعات تصدر من برامج إذاعة جدة.
وأردف: ثم أعطت المملكة الاهتمام للإذاعة الأوروبية باللغتين الفرنسية والإنجليزية الذين باتوا يشعرون بجرعة إعلامية تقدم لهم من خلال القسم الأوروبي، فضلا عن الإذاعة الموجهة للمسلمين خارج المملكة وبلغاتها مثل اللغات الهندية والتركية والإيرانية والبنغالية، ولا زالت قائمة تؤدي دورها في الدعوة إلى الله وإبراز جهود المملكة في مختلف القطاعات.
وتابع: عندما ولد التلفزيون، كان شيئا جديدا حيث أضاف للسمع البصر أو الرؤية، فأصبحت الوسيلة لا تتطلب من المشاهد جهدا كبيرا ليلتقط ما يقدم له، يكفي أن يرى ويسمع لتكتمل أمامه الصورة، لافتا إلى أن بدايات التلفزيون السعودي كانت بسيطة جدا، بدأت بساعة من الإرسال ثم اثنتين وثلاث وأربع ساعات، وكانت عملية الإنتاج صعبة جدا ومكلفة، وكان التلفزيون من الصعب أن ينقل الحدث بشكل مباشر، فكنا نغطي المباراة يوم الجمعة نقدمها للمشاهد بعدها بيوم ونصف تقريبا.
ولفت إلى أن التلفزيون قام بدوره ولا زال في تقديم جهود المملكة في كافة المجالات الاقتصادية والعمرانية والسياسية والاجتماعية وغيرها، فضلا عن توفر الأرشيف الذي يوثق كل هذه المراحل، ونحن أمام منظومة إعلامية بدأت ولا زالت تعطي نماء وعطاء بصورة جادة ومسؤولة تعطي المتلقي ويستفيد منها، وعندما جاء الإعلام الحديث أصبح رافدا لوسائل الإعلام التقليدية، نحن نسير إلى رؤية 2030 وسنجني الثمار إن شاء الله تقدما ونجاحا وعطاء للأجيال المقبلة.





