أقلام في الإعلامالثقافيةالمجتمعحوارات خاصة

الحمود.. أعمل بين قبعات ثلاث: الأكاديمية والمهنية وقضايا الرأي العام

مسيرة طويلة في طلب العلم والصبر على دروبه. سألناه لماذا؟ فقال: إنني أؤمن بمقولة إن العلم لا يعطيك بعضَه حتى تعطيه كلك. في رحلته التعليمية والعملية التي عانقت نصف قرن، عبر ضيفُنا، محطات كثيرة، من قريته الحالمة وسط نجد (ثرمداء)، حيث الميلاد، عبورا بمدينة (شقراء) حيث النشأة، ومدينة (الرياض) حيث التشكّل، إلى أقاصي شمال الكرة الأرضية في مدينة (مونتريال)، حيث تعلّم اللغتين الإنجليزية والفرنسية وحصل على الشهادة العالية (دكتوراه الفلسفة) في علوم الإعلام والاتصال الإنساني، ثم ليعود إلى أرض الوطن حاملا معه كل أحلامه وآماله، في أن يكون يدا يمنى في دعم وتعزيز مسيرة الإعلام في مجتمعه العزيز جدا، وبخاصة ما له علاقة بـ (المظاهر الثقافية والاجتماعية لتقنيات الإعلام والاتصال) وهو الإطار الذي حدده موضوعا لتخصصه الدقيق في دراسات الإعلام.

د. عبدالله الحمود

إنه الدكتور عبدالله بن ناصر بن محمد الحمود، الذي تسلط صحيفة “مكة” الإلكترونية الضوء، على محطات مهمة من حياته لتستقي منها الأجيال ويستفيد منها طلاب الإعلام في هذه الزاوية التي تخصصها الصحيفة ل”أعلام في الإعلام

أنهى الدكتور الحمود تعليمه العام في مدينة شقراء، ليلتحق بجامعة الإمام بالرياض، ويحصل منها على شهادتي البكالوريوس والماجستير في تخصص الإعلام، ثم ابتُعث لدراسة اللغة الفرنسية في جامعة مقيل والدكتوراه في جامعة كويبيك في مونتريال بكندا، ويعمل الدكتور الحمود حاليًا أستاذًا مشاركًا في كلية الإعلام والاتصال بالرياض، منذ عودته من البعثة في العام 1998م. يقول ضيفنا: ما قبل الابتعاث لدراسة الدكتوراه كان أمراً، وما بعده أمرٌ آخر. وفي حوار طويل معه، استوضحنا منه المراد.

الاغتراب من أجل الدراسة

يقول الدكتور الحمود: كانت فكرة “الاغتراب” من أجل التعليم أبرز المحطات والقرارات التعليمية، ليس من أجل الابتعاث للدكتوراه فقط ولكن أيضا قبل ذلك. فبعد إكمال دراسة المرحلة الثانوية في مدينة شقراء، في العام ١٩٨١م، لم يكن التعليم الجامعي متاحا حينذاك في المدن الصغيرة، فتطلب الأمر السفر إلى مدينة الرياض، والسكن في الإسكان الجامعي. ولتلك الحال انعكاساتها على كثير من المظاهر الثقافية والاجتماعية لعملية التعليم.. بعيدا عن الأسرة.وتكرر المشهد في مرحلة الدكتوراه التي درسها الدكتور الحمود في كندا، حيث تطلبت تأهيلا في اللغتين الإنجليزية والفرنسية باعتبار ثنائية لغة التعليم في كندا وبخاصة في مقاطعة كويبيك، ويقول الحمود: ” كانت تلك المفارقات والتباينات مصادرا للعديد من التحديات التي رافقت المسيرة التعليمية”.

الدراسة ثنائية اللغة.. تحديات في سبيل الإنجاز

أشار الحمود إلى أن “اتخاذ قرار الدراسة العليا في جامعة فرنسية وثنائية اللغة كان تحديا حقيقيا دافعه محاولة تقديم إضافة نوعية مميزة لمخرجات القسم العلمي والكلية حيث إن عشرين زميلا سبقوني للابتعاث كانوا درسوا أو يدرسون حينذاك في الولايات المتحدة أو في بريطانيا باللغة الإنجليزية”. واسترسل: “لم أكن أريد أن أذهب وأتغرب وأتعب لأعود بشيء سُبِقتُ إليه( كان تحديا حقيقيا) أن أتعلم الفرنسية والإنجليزية في ذات الوقت، لأبدأ بهما مباشرة منهجية الدكتوراه، ثم رسالتها. لكن ذلك تم بفضل من الله”.

المنهج الكيفي النوعي في دراسات الإعلام.. تحد من نوع خاص

أوضح الدكتور الحمود أنه “حتى على مستوى بعض التفاصيل التعليمية كان هناك تحديات حقيقية.منها مثلا، التصدي للمنهج (النوعي) في دراسات الإعلام، وتطبيقه فعليا في دراسة الدكتوراه، حيث المتعارف عليه في دراساتنا في المملكة والوطن العربي تطبيق المنهج الكمي. وبين المنهجين بون شاسع في الأبعاد الثقافية والاجتماعية المؤثرة في صياغة أدوات البحث وتطبيقها. وبالتأكيد في إجراءات تنفيذ البحث ذاته؛ لكنني قررت حينذاك أن لا أعود بتعميق معرفة وتطبيق المنهج الكمي، وتصديت للمنهج الكيفي وطبقته بالفعل في أطروحة الدكتوراه. وكان ذلك مهما جدا لإضافة تجربة الدراسات النوعية الكيفية لمسيرتي التعليمية، ولتطبيقات بحثية مهمة بعد عودتي للرياض”

قرار الدراسة باللغة الفرنسية

يقول الحمود: عندما قررت الدراسة باللغة الفرنسية وفي مقاطعة فرنسية، خشيت من تحديات تعلمها، فبدأت مباشرة بدراسة دورة قصيرة في معهد لتعليم اللغة في الرياض، فقط، لفحص أولي لإمكانية تعلمها. فأعجبتني كلغة ثرية وغنية بالمصطلحات والتراكيب، وكوعاء للعديد من المنتجات الأدبية والثقافية والفكرية، فعقدت رحلة صيفية إلى عدد من جامعات باريس مصطحبا معي كل وثائقي العلمية مترجمة للفرنسية، وقابلت عددا من رؤساء برامج الدراسات العليا هناك، لكن النظام الفرنسي في دراسة الدكتوراه لم يرُق لي لتسارعه، وخلوه من الدراسة المنهجية التي من شأنها صقل معرفتي ومهارتي في اللغة الجديدة علي، الفرنسية، فواصلت الرحلة مباشرة إلى مونتريال بكندا، وقصدت جامعتي مونترياتوكويبيك، حيث نظام التعليم شمال أمريكي بكافة تفاصيله المنهجية والبحثية. وبعد لقاء صباحي مع رئيس برنامج الدكتوراه في الإعلام في جامعة كويبيك حينذاك (جون برونيت)، وافق على عرض رغبتي على مجلس القسم الذي وافق على التحاقي بالبرنامج، لأبداء مشوار العرض على جامعتي ولأحظ بشرف أن أكون أحد مبتعثي التعليم العالي في المملكة.

الابتعاث.. قصة حضارة

ليست كل المجتمعات، تنالها نعمة الابتعاث. وفي حكايته مع الابتعاث، يقول الدكتور الحمود: من نعم الله على بلادنا أن أفاض عيها بخزائن الأرض، وقيض لها قيادة رشيدة سخرت إمكانات البلاد لبناء حاضرها ومستقبلها، فبرنامج الابتعاث، كما يراه الحمود، حاضنة كبرى لعدد كبير من الشباب والشابات السعوديين الذي أتيحت لهم فرصة عبور القارات والتعايش مع الآخرين، ليس علميا فقط، ولكن أيضا ثقافيا واجتماعيا بآفاق غير مسبوقة لأبناء المملكة، ليعودوا للمساهمة في بناء وطنهم العزيز محملين بالعديد من المعارف والمهارات، ومدفوعين بالأمل والطموح بأن نكون دوما أقوى، وأمكن، وأفضل.

كتابه “من أين أُتِينا؟ محاولة لفهم الواقع الذي استعصى”

ما كاد د. الحمود يعود من البعثة إلا ووقعت حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولاهتمام الدكتور الحمود بالأبعاد الثقافية الاجتماعية للسلوك الإنساني، أخذت هذه الحادثة منه مأخذا واسعا، فانبرى يفند العديد من العناصر الثقافية والاجتماعية التي يمكن أن تكون قد أدت لتشكّل فكر الغلو والتطرف في المجتمع، وما قادا إليه من أعمال عنف وإرهاب مقيت. ونتح عن ذلك العشرات من المداخلات الإذاعية والتلفزيونية في العديد من القنوات والمحطات، وكتابته لعمود يومي في صحيفة الجزيرة، وإصداره كتابه المهم “من أين أتينا؟ محاولة لفهم الواقع الذي استعصى”.

الحمود بين الأكاديمية وقطاعات الأعمال

سِجل ضيفنا، د. الحمود، حافل بالخبرات الوظيفية المهنية كما هو سجله التعليمي الأكاديمي. فقد تقلد عمادة كليته التي درس فيها في الجامعة، كلية الدعوة والإعلام، كما كان اسمها حينذاك، (كلية الإعلام والاتصال، حاليا) بعد عودته من الابتعاث بسنوات قليلة، وتم انتخابه نائبا لرئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أربع فترات متتالية لمدة اثني عشر عاما، وقدم عددا كبيرا من الدراسات والبحوث التي شارك بها في مؤتمرات وندوات وطنية وعالمية متعددة. والدكتور الحمود عضو في الهيئة العلمية لكرسي حوار الحضارات بجامعة السوربون باريس بانتيو1، وكان عمل لدورتين متتاليتين أستاذا لكرسي اليونسكو للإعلام المجتمعي. كما عمل مستشارا إعلاميا للعديد من الجهات الحكومية والخاصة، وهو حاليا مستشار غير متفرغ لدى اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات ورئيس لجنة التوعية الإعلامية هناك. 

أخدم بلدي أينما دعاني الواجب .. ولا أترك الجامعة بسهولة

للدكتور الحمود فلسفة مهمة في الأدوار الوظيفية والمهنية لأساتذة الجامعة. فهو يرى أن الأصل في أستاذ الجامعة أن يكرّس جهده في العمل العلمي والتعليمي والبحثي، وأن الجامعات تحتاج أبناءها بشكل كبير. وإذا ما دعت الحاجة في قطاعات المجتمع للاستعانة بخدمات أساتذة الجامعات، فليكن عن طريق الاستشارات أو الإعارات المحددة بزمن. ويطبق الحمود هذه الفلسفة بدقة في علاقته بقطاعات الأعمال الحكومية والأهلية. فقد تمت إعارته ليشرف على الإدارة العامة للعلاقات والتوجيه في وزارة الداخلية ليعود بعدها للجامعة، وليعار من جديد نائبا لرئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون. كما عمل مستشارا لدى مؤسسة ميساب للإعلام، ورئيسا لمركز ميساب للدراسات والاستشارات الإعلامية. 

 

الإعلام السعودي.. بين الإرادة والإدارة

للدكتور عبد الله الحمود نظرته الخاصة لمسيرة الإعلام السعودي، فهو يرى أنه، على الرغم من ضخامة الإمكانات التي توفرت للإعلام، إلا أنه لم يستطع أن يحقق تطلعات الناس منه. ويرى الحمود أن مؤسسات الإعلام السعودي الرسمية والخاصة حقيقة بأدوار وطنية وعالمية بقدر وحجم مكانة المملكة. وهي مكانة إسلامية إنسانية عالمية لا تتوافر لأي دولة أخرى حيث هي موطن الحرمين الشريفين، وأحد أهم الاقتصادات العالمية اليوم. ويُرجع الحمود إشكالية الإعلام الرسمي بشكل خاص إلى البون الكبير بين إرادة الإصلاح والتطوير التي نفترضها في كل من تقلد مهمات قيادة هذا القطاع، والعجز عن إدارته بالشكل المناسب والفعال. ولهذا العجز أسبابه في رؤية الحمود، وهو يقول بكل شفافية ووضوح: المسؤولية دوما مسؤولية الرجل الأول في القطاع، حيث يملك كامل صلاحيات القرار.ولأن القاعدة الأولى في إدارة المنشآت تقول للمسؤول الأول في المنشأة “كل خطأ يحدث هو خطؤك”، فإن عليه أن يتمثل ذلك واقعا، وأن يقوم بمهمات عمله بكل كفاءة واقتدار.

هيئة الإذاعة والتلفزيون من الداخل.. 365 يوما من البحث عن الرؤية

يقول الدكتور الحمود: عملت في هيئة الإذاعة والتلفزيون، معارا من الجامعة لمدة عام، نائبا للرئيس لشؤون التلفزيون. وأمضيت فيها 365 يوما أبحث عن الرؤية، ولم أجدها، ولم أجد ما يمكن فعله، ليس لتسير عجلة العمل، فهي تسير، ولكن ليكون إعلامنا أفضل. فكتبت رؤيتي الموجزة ونشرتها، ثم غادرت إلى حيث جامعتي. ويحدو الدكتور الحمود الأمل أن يأتي اليوم الذي يكون فيه الإعلام السعودي ضاربا في الفضاء الاتصالي، بكل أذرعته التقليدية والجديدة، ويحظى بتقدير واحترام أهل الصنعة في بلادنا الغالية وفي العالم.   

الإعلام الريادي.. محطة الحمود الحالية

أنهى الدكتور الحمود قبل أيام تقديم دورة متخصصة في “الإعلام الريادي” حضرها نخبة من قيادات ومتخصصي الإعلام في منطقة مكة المكرمة، ضمن مبادرة منشآت للإعلام الريادي، وبتنظيم من أكاديمية الأمير أحمد بن سلمان للإعلام  التطبيقي، في مدينة جدة. ويؤكد الحمود أن المستقبل اليوم وبخاصة في المجتمع السعودي المعاصر الوثاب سيكون لريادة الأعمال فيه أدوار مهمة، وعليه فإنه من المهم صقل المعارف والخبرات في مجالات الإعلام الريادي. ويقول: أعلن من خلال صحيفتكم الإلكترونية الرائعة، أنني أضفت في معرفي في صفحة تويتر أنني مهتم بالإعلام الريادي. فما وجدته، خلال إعدادي لهذه الدورة من تفاصيل كثيرة في إعلام المشروعات الريادية، جعلني أزداد قناعة بأهمية هذا المجال الحيوي من مجالات صناعة الإعلام في بلادنا.

 

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. تنبيه: 1criticize

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى