المقالات

الدكتور قيس آل الشيخ مبارك.. سليل العلم.. ومربي القلوب.. وسفير الخلق

حين تتحدث عن معالي الشيخ الأستاذ الدكتور قيس آل الشيخ مبارك، فأنت لا تروي سيرة رجل فحسب، بل تقترب من نبع أصيل من ينابيع العلم، والتواضع، والخلق، والبذل.
الشيخ سليل بيت علم وفضل، وميراثه العلمي لم يكن محصورًا في كتب أو شهادات، بل تراه في سمته، وابتسامته التي تستوعب الجميع، وفي تواضعه الذي يأسر القلوب قبل العقول. لا يتكلف في حديثه، ولا يتعالى بعلمه، بل يفيض على من حوله بروح الأبوة، وصدق المعلم، وصفاء العارف.
لم يكن لقائي الأول بمعالي الشيخ الأستاذ الدكتور قيس بن محمد آل الشيخ مبارك مجرد جلسة علم، بل كان لقاءً يرسّخ في الوجدان أن العلم لا يُفهم إلا إذا اقترن بالتواضع، وأن الفقه لا يُثمر إلا إذا سقته الأخلاق. كان ذلك اللقاء بداية علاقة حب وتقدير، ليست بين طالب وشيخه فحسب، بل بين قلبين جمعهما الهمّ الدعوي، وحب الخير، وخدمة الإسلام والمسلمين.
ما يميّز الشيخ – في نظري – أمران قلّ أن يجتمعا: الرسوخ العلمي، والتأثير الإنساني. فعلى مستوى العلم، هو من أبرز المختصين في الفقه المقارن والفقه المالكي والنوازل المعاصرة، وله جهود مشهودة في مقاربة الفقه بروح مقاصدية رصينة، وهو ما يتجلّى في بحوثه، ومشاركاته في المجالس الفقهية، ولجان الفتوى.
أما على مستوى الشخصية، فحدث ولا حرج.
ابتسامته الهادئة تسع الجميع، وتواضعه يُخجل من يعرف مقامه.
لا يتكلّف الحديث، ولا يتردد في الجواب، بل إذا سُئل أجاب، وإذا استُفتي بيّن، وإذا دُعي لبّى.
في أحد اللقاءات بمركز لندن الثقافي الإسلامي، دعوناه لمحاضرة قصيرة، فما كان منه إلا أن ارتجل حديثًا من أعذب ما سمعت عن “الإسلام كدين للأخلاق”. تحدث عن أن الشريعة كلها تدور في فلك تهذيب النفس وإعمار الأرض، حتى ضرب مثلاً بحديث حرمة الشجرة، ليُظهر كيف يحمي الإسلام البيئة والإنسان في آنٍ واحد.
كنت أترجم كلماته إلى الإنجليزية، لكنني شعرت أنه لم يكن بحاجة إلى ترجمة، فقد خاطب القلوب مباشرة، وأسر العقول بلغة خُلقه وأدبه.
وليس هذا الموقف الوحيد. كم مرة أزعجناه – نحن الدعاة والمهتمين في الغرب – بفتاوى عاجلة، وأسئلة نوازل، في أوقات متأخرة، فلم نرَ منه إلا صدرًا واسعًا، وأدبًا جمًّا، وكلمة مطمئنة تبعث على السكينة والثقة.
الشيخ قيس كان أستاذًا مشاركًا في جامعة الملك فيصل، وعضوًا في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، كما شارك في عدد من الهيئات العلمية والشرعية، منها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI)، ورئاسة اللجنة الشرعية في الهيئة العامة للأوقاف، وعضوية مجلس أمناء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.
له مؤلفات رصينة تمثل فكره الوسطي وعمقه المقاصدي، منها:
“أحكام الإذن الطبي في الشريعة الإسلامية”
“المسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية”
تحقيق كتاب “النصيحة الكافية” للعلامة أحمد زروق
إلى جانب مقالات علمية وبحوث محكمة تناولت قضايا الفقه المعاصر، وخيارات الفقه المالكي، والرقية الشرعية، والمصلحة، وغير ذلك من القضايا التي تجمع بين الأصالة والتجديد.
وإنني لأشهد – من موقع المحبة والتتلمذ – أن الشيخ قيس هو أستاذ في كل شيء:
في علمه، وفي خُلقه، وفي صمته كما في كلامه.
يجمع بين دقة الفقيه، ونقاء المربي، وروح العالم الذي يعيش للناس ومعهم.
أسأل الله أن يبارك في عمره وعلمه، وأن يرفع درجته، ويزيده قبولًا ونفعًا.
وأن يجزيه عني، وعن طلابه، وعن المسلمين خير الجزاء.

أ.د. فايد محمد سعيد

عضو المجلس الأوروبي للقيادات المسلمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى