جدارية شاعر

قراءة تحليلية لـ «براءة» الشاعرة أميرة صبياني

قراءة وتحليل للشاعر الناقد: يحيى معيديي لقصيدة : براءة للشاعرة : أميرة صبياني
وهي قراءة تحليلية إبداعية .

براءة …

لا والذي ملأَ الفؤادَ بحبِّكَ الصافي المقيمِ بأضلعي لن أوْجِعَكْ

لا أرتضيكَ مسافرًا للتيهِ في
عَصفِ القِفارِ وقَدْ حَمَلتَ تصدُّعَكْ

سأكونَ حولَكَ جنةَ الحبِّ التي
ترعى الودادَ وأنْهُري تجري مَعَكْ

ذنبي وذنبُكَ أننا نُمْضِي الأسى
بِخُطَا السَّلامِ وكانَ سيري أروَعَكْ

قِسْنَا الحياةَ بِصفْوِنا فسطت على
قصرِ الجمال وَشَوَّهَتْهُ لِتَنْزِعَكْ

لا… لن أراكَ بخيمةِ الحُزنِ الذي
يُخْفِي حقيقةَ حُبِّنَا لِيُرَوِّعَكْ

سَيُطيلُ قلبي من ربيعِ العمرِ مِنْ
دفءِ الوفا ، وَيَصُدُّ هَمًّا أفزَعَكْ

هذي ورودُ الطُّهرِ …فالثُمْ روحَها
مِنْهَا إليكَ ندىً يُحَاكِي مَطْلَعَكْ

أميرة صبياني.

 

عندما تنطلق القصيدة من موهبة مصقولة ، وخيال واسع ، مع أدوات التمكن، والتجربة العميقة فإن القارئ يلمس كل الجوانب الفنية في تلك القصيدة، فيتذوق ويستمتع بشتى صورها الفنية معنى ومبنى.

نص. ( براءة)

نص وجداني عميق اعتمد على مشاعر الروح، وتجليات الفؤاد، فأتت الصورة رومانسية الشكل، يجسدها كائن النفس وتهويماته في بوتقة الحرف الأصيل.

جاء النص على البحر الكامل ، بقافية مقيدة بروي الكاف عند من يراها رويا من العروضيين دون شرط، وبهذا تكون الشاعرة قد ألزمت نفسها ما لا يلزم من توحيد الحرف قبلها وهو حرف العين الذي قد يكون رويا عند من يرى ذلك.

حجم النص كان قصيرا ، حيث جاء على ثمانية أبيات.

العنوان ( براءة).

اختيار مفردة واحدة دلالية جدا خلاف التراكيب الأخرى في العناوين.

ارتبط العنوان بمضمون النص جدا ، حيث ترجم المعنى المراد لدى الشاعرة ، وهي ترجمة جميلة تستشف من انسيابية النص بعيدا عن لغة الخطاب والمباشرة.

شكّلت الشاعرة النص بأسلوب خبري في معظمه ، وقليل بأسلوب الإنشاء.
كالقسم في قولها :

لا والذي ملأ الفؤاد.

وكذلك الطلب في قولها :

فالثم روحها.

أرادت الشاعرة أن تبين للقارئ عبر مبناها ومعناها ما يحمله شعورها تجاه المخاطب من تعامل مطرز بالبراءة النقية مستخدمة لذلك أسلوب النفي تارة، والإثبات تارة أخرى.

وأرادت- أيضا- أن تشكّل من مشاعرها صفة معنوية غير محسوسة ، وهي البراءة.
ورغم أنها صفة معنوية تتعلق بالقلب والشعور إلا أنها جاءت في النص كيانا محسوسا.

ومن ذلك التوظيف الجميل :

لا والذي ملأ الفؤاد بحبك.

وأيضا:

المقيم بأضلعي.

وأيضا:

سيطيل قلبي.

وغير ذلك مما تضمنه النص.

وبالتأمل في ألفاظ النص نلحظ أنها جاءت دلالية ، عذبة، معبرة، ليس فيها غرابة أو تعقيد ، فلا يحتاج القارئ لدليل معجمي للبحث عنها، فكانت رائعة الجرس نطقا وسلاسة.

وابتعدت الشاعرة عن الرمز الموغل المغرق المجهد.

وخدمت الألفاظ المعنى المراد والهدف من النص ، وصورت البراءة بصورة رائعة تمثلت في كثير من قوالب النص.

وربطت الشاعرة بين ألفاظ النص وبين انسكاب مشاعرها ووجدانها مثل :

لا أرتضيك مسافرا للتيه.

وكذلك:

سأكون حولك جنة.

وكذلك:

لا لن أراك بخيمة الحزن.

وغير ذلك.

وخلت الألفاظ من الحشو الممل ، والتكرار الصوري ، مما جعل النص متجدد المبنى والمعنى.

وتفننت الشاعرة في أسلوبها ، فقد كانت موفقة في المزاوجة والتنويع في أسلوبها، وموسيقاها ، وتماهي القافية ومفرداتها الدلالية الموسيقية، وهي مهارة فنية يجيدها المتقنون من حيث البناء الجمالي للنص.

فنلحظ أسلوبي النفي والقسم في المطلع ، ثم بيان المقصود من القسم :
لن أوجعك.

وهو بالنفي أيضا.

ففي المطلع مؤكدات لإثبات البراءة من الهجر وهي :

النفي الأول ب ( لا).

والقسم في :

لا والذي.

والنفي الثالث بلن :

لن أوجعك.

ويستمر أسلوب النفي أيضا :

لا أرتضيك.

وكذلك:

لا لن أراك.

وكل ذلك لأجل إثبات الصفة التي جاء النص لأجلها ، واختيرت عنوانا له.

وحمل الأسلوب الكنايات البديعة مثل:

عصف القفار.

خطا السلام.

وأنهري تجري معك.

قصر الجمال.

ورود الطهر.

وغيرها.

وتضمن الأسلوب دلالات المكان مثل:

القفار والأنهار وهي للأمكنة الشاسعة.
كما تضمن دلالات مكانية محدودة كالخيمة والقصر.

وصوّر الأسلوب نوعية الحب بأنه صاف، وأحيانا يجعله كالجنة :

جنة الحب.

وجاءت الصورة الحركية كذلك في :

وأنهري تجري معك.

وأيضا:

فسطت على قصر الجمال.

وكذلك:

وشوهته لتنزعك.

وغير ذلك.

ولقد برعت الشاعرة في موسيقا البيت الداخلي حيث الانسجام والتناغم حتى في حشو البيت.

يمثل ذلك :

ذنبي وذنبك أننا نمضي الأسى
بخطا السلام وكان سيري أروعك.

وهو ظاهر في أكثر الأبيات.

وزاوجت الشاعرة – أيضا – بين زمن الأحداث، فمن ذلك الماضي مثل:

ملأ، حملت، قسنا، فسطت…الخ

وأحداث جاءت بالمضارع الحاضر كقولها :

أوجعك، أرتضيك، تجري ، نمضي…الخ

ومنها ماهو للمستقبل مثل :

سأكون حولك.

وهذا التنوع الحدثي الزمني أضفى جمالا وإيقاعا عذبا أثناء قراءة النص.

ورغم قصر النص إلا أن الشاعرة استطاعت ببراعة الوصول للمقصود بموهبتها وفنيتها وتجربتها.

ولعل بيت الختام كان بوتقة الاختصار لكل المعاني ، فقد بدأ بالعرض:
هذي ورود الطهر.

والعرض يشير للعنوان، فالطهر هو أس البراءة ومجالها، ثم توجيه الطلب للمخاطب بلثم روح تلك الورود.
والمعنى بديع جدا ، حيث العمق في الإشارة ، فاللثم ليس للورود نفسها ، بل لروحها.

ثم المقارنة البديعة في الشطر الثاني من بيت الختام :
منها إليك ندى يحاكي مطلعك.

فالندى يحاكي المخاطب في مطلعه وظهوره ، ووجه الشبه هو الفيض والإرواء والعطاء.
وأخيرا، أهنئ هذه الشاعرة الرائدة على شاعريتها الفذة.
وأسأل الله للجميع التوفيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com