المقالات

اللعب على المكشوف

لدغة ودغدغة
الإدارة على المكشوف هي أحد الأساليب الإدارية الحديثة التي تبني سياسة مشاركة العاملين في تحديد وتحقيق الأهداف وصنع القرارات. لقد ظهر هذا الأسلوب الإداري المتميز حينما زادت التحديات الإدارية على المؤسسات، واشتدت المنافسة فيما بينها بفعل الثورة المعلوماتية والتقنية؛ حيث لُوحظ وجود فجوة في العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين؛ نتج عن ذلك أزمة ثقة بين الطرفين اتضحت أبرز معالمها في تدني مستوى الاتصال الإداري وتجاهل العاملين وحجب المعلومات عنهم، وقد عانت من تلك الأزمة أكثر المنظمات الإدارية العالمية على اختلاف أنشطتها، وإثر ذلك ظهر من يُطالب بالشفافية والوضوح في الإدارة لمواجهة كافة المعوقات الإدارية التي تواجه تلك المؤسسات، وكان أول من استخدم مصطلح (الإدارة على المكشوف) هو المفكر الأمريكي «جاك ستاك» في كتابه (اللعبة الكبرى لإدارة الأعمال) عام 1992. وربما تكون حداثة هذا الأسلوب فيما يتعلق بالمؤسسات الأوروبية والأمريكية، لكن الوضع يختلف في اليابان؛ حيث تم تبني هذا الأسلوب منذ عقود بل إن أسلوب الإدارة على المكشوف يعد من أهم أسباب نجاح وتفوق التجربة اليابانية في إدارة المؤسسات؛ لقد ظهر في اليابان مصطلح “جمبا كايزن” (Gemba Kaizan)؛ ويعني إدارة المشكلة من المكان حتى يمكن إدارة الزمان بالدقة والسرعة المناسبتين؛ للتخلص من جذور هذه المشكلة ومنع تكرارها في المستقبل؛ ولذلك يعتبر هذا الأسلوب متميزًا ومستمرًا، ويستمد قيمته وقوته من أرض الواقع.

لكن في الاتجاه الآخر ما زال هناك عدد غير قليل من القيادات الإدارية الفاشلة في دول العالم الثالث التي تنتهج أسلوبًا مغايرًا تمامًا للأسلوب السابق؛ حيث تتبنى تلك القيادات استخدام سياسة (اللعب على المكشوف). هذه السياسة تقوم على التفرقة والمحسوبية ونزع الثقة بين الموظفين والمركزية الإدارية والفردية في صناعة واتخاذ القرار، والاعتماد على الشللية والمحاباة وتأجيج أوجه الصراع التنظيمي بين الموظفين، وبين الأقسام وبعضها البعض، والتلاعب بمصالح الموظفين والمستفيدين من خدمات تلك المؤسسات وضياع حقوقهم، والتلاعب في أموال وممتلكات تلك المؤسسات، وممارسة مختلف أشكال الفساد الإداري والمالي “عيني عينك”، وهذا ما جعل تطور وتقدم المؤسسات في الدول النامية يراوح مكانه منذ عقود (محلك سر). وقد أشرنا في مقالات سابقة لأمثلة من أشكال الفساد الذي تمارسه تلك الإدارات، ولكن ما نود الإشارة إليه اليوم هو أن الكثير من المديرين ما زالوا يمارسون الفساد الإداري والمالي في وضح النهار، ولم يأبهوا لتذمر موظف أو لشكوى متظلم ودون خوف من ملاحقة جهة قضائية. ولكن بفضل الله تعالى فإن ما يدعو للتفاؤل أن تجربة الإدارة على المكشوف في المملكة تمرُّ بمرحلة جديدة بدأت أولى خطواتها مع بداية إطلاق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية 2030 وما تبعها من تفعيل لدور هيئة الرقابة ومكافحة الفساد؛ فأصبح الجميع يلمس نتائج جهود هذه الجهة الرقابية في مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين، ولذلك حق لنا تسمية التجربة السعودية: “مشروع الأمير محمد بن سلمان للتنمية ومكافحة الفساد” (MBS Development and Anti-Corruption Project)، هذه التجربة سوف تؤتي ثمارها بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة؛ حيث ستقتلع جذور الفساد التي تغلغلت في مفاصل كثير من مؤسسات القطاعين العام والخاص.

لدغات:
• الإدارة وظيفة بينما القيادة سلوك؛ ولذلك من الخطأ أن نطلق كلمة قائد على كل من يتربع على هرم أحد المؤسسات، مالم يكن ذلك الشخص ناجحًا ومتميزًا في إدارته؛ وإلا يبقى هو مجرد مدير فاشل، أما القيادة فلا ترتبط إلا بالنجاح؛ بمعنى توجد قيادة ناجحة وهناك إدارة فاشلة.

• إلغاء عقود عدد من الأكاديميين في إحدى الجامعات دون إخطارهم قبل نهاية عقودهم بالمدة التي حددها النظام يعد قمة الاستهتار بالنظام، وإلحاق الضرر بمصالح أولئك الناس التي ألغيت عقودهم، والتأثير بشكل كبير على مستقبلهم الوظيفي، والأشد مرارة التلاعب في حقوقهم المادية بطرق ملتوية.

• سكوت المدير عن تصرفات أحد مساعديه وبخاصة عندما يتعامل ذلك المساعد مع جهات خارج المؤسسة دون الرجوع إلى مديره أو حتى مجرد إخطاره؛ لا يعد ذلك شكلًا من أشكال المرونة والتفويض؛ وإنما تجاهل وتهميش للمدير، وربما يكون ذلك بقصد لإيقاع المدير في مواقف محرجة مع المؤسسات الخارجية التي يتواصل معها مساعد المدير؛ وبهدف تشويه صورة إدارة المؤسسة أمام القيادات التي قامت بتعيين ذلك المدير النائم في العسل.

عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الله ينور عليك الله يرحم والديك الله يفتح لك وعليك .
    إنصاف المظلوم اجره من الله فقط.والله يؤيدك وينصرك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com