المقالات

الحج واحة أمن وبانوراما جَمَال

كثيرًا ما دوَّن المؤرخون ‏والكتّاب عبر عصور التاريخ الماضية ما يعانيه الحاج وقوافل الحجيج من صعوبات ومخافة في دروب الحج، وفي أرض الحرمين أحيانًا، ‏وما تمر به مواسم الحج من فتن، وما تتعرض له من أزمات سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو بيئية، حتى قالوا: “‏الذاهب مفقود والعائد مولود”.
‏ومن ذلك اختلال الأمن على الطرق ونهب الحجاج وسلبهم أو قتلهم، ‏وحدوث الفتن السياسية والعسكرية المخلة بالأمن في الحرمين الشريفين والحيلولة دون أداء المناسك أحيانًا، ووقوع الأزمات الاقتصادية المؤدية للغلاء والمجاعات، وكذلك تفشي الأوبئة وموت كثير من الحجيج، وجريان السيول، والذهاب بالناس ومتاعهم.
واليوم في عهد دولتنا السعودية المباركة بما أولته من العناية بالحرمين الشريفين والمقدسات الإسلامية، ورعاية الحجاج والإشراف على شؤونهم وعمارة الحرمين ‏والمشاعر المقدسة وتطويرها وتزويدها بالمرافق الخدمية، وتوفير أرقى الخدمات العصرية والانفاق السخي والعمل الزكي، جعل الحج إلى بيت الله رحلة عمر روحانية آمنة هانئة رخية زكية ممتعة.
وقد أبرزت صورة الحرمين في أبهى جمالها لضيوف الرحمن.
ولم يعد هناك مكان للكتابة عن مآسي الحجاج ولا مكدرات موسم الحج، وليس أمامنا نحن الكتاب والشعراء إلا لوحة جمال في متعبد رب العزة والجلال نصف جمالياتها ونتغنى بجمالها، فقد أمن الحج والحجيج والمحج، وأضحى الأمن راسخًا ورجال الأمن طوق أمن وعنصر سلام ورمز إنسانية.
وأمست بلاد الحرمين أمان الخائفين وملجأ المحرومين ومأرز الإيمان والدين، الذاهب إليها آمن والعائد منها سالم غانم آمن، حفظت له المملكة أمنه وسهلت عليه أداء نسكه، ولم يعد همه سوى رضوان ربه.
‏إن ‏إشراف خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ‏على الحج ‏بكل هذه العناية والرعاية والإنفاق والعطاء جعل الحج لكل مسلم سهل المنال، وتتوج الملوك بلقب خادم الحرمين الشريفين وذلك تاج الجمال .
‏وإن تضافر جهود الجهات الحكومية والأهلية وتكاملها، وعلى رأسها وزارة الداخلية وإمارة منطقة مكة ووزارة الحج ‏وزارة الشؤون الإسلامية الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين ووزارة الصحة، في خدمة الحجيج وتسيير منظومة الحج لهي الأيدي التي رسمت الجمال بجميل الفعال.
و‏ماذا نسمي ما وصلت إليه المدينتان المقدستان والمشاعر المقدسة من أمن ورخاء وتطور وإعمار وازدهار ضاهى أحدث المدن العالمية ببنيتها وعمرانها ومرافقها وخدماتها ونظمها أليس اللوحة التي تجسد عليها بهاء الجمال، وماذا نسمي أعظم وأجل وأكبر وأرقى توسعات وعمارة للمسجد الحرام والمسجد النبوي في العهد السعودي أليس جمال العمارة وعظمتها.
وماذا نسمي برج الساعة ووقف الملك عبدالعزيز ومشروع شركة مكة وجبل عمر والمسار وآلاف الأبراج والمباني الفندقية ارتقاءً بالعمران وتوفيرًا للإسكان في الحرمين أليس جميلًا وجمالًا، وكان قبل بهذا الوصف محالًا.
وماذا نسمي مطارات وموانئ ومنافذ وطرقات ومراقيت ومساجد ومواصلات حديثة أنشئت وطورت ووفرت، ألا نسميها النقلة التاريخية من ركوب الجِمال إلى حياة الرقي والجَمال القريب من الكمال.
وماذا نسمي خدمات بلدية ومواصلات واتصالات ومياه وكهرباء في أسمى صورها أليست جَمَال التجربة وجودة الحياة وجمالها في أرض الحرمين.
وما نسمي حسن الاستقبال في نقاط الوصول بالترحاب والورود والهدايا، وحسن المعاملة طوال رحلة الحج، وتهيئة كل سبل الراحة واليسر والرخاء لوفد الله، أليس جَمَال الوفادة وكريم الرفادة وروحانية العبادة.
وماذا نسمي خدمات صحية متكاملة وشاملة جعلت صحة الحج هدفًا وسلامة الحجاج غاية وحمايتهم من الأمراض والأوبئة حقيقة، وتحدت بتوجيه القيادة ودعمها كورونا ومكنت لإقامة الشعيرة في أحلك الضروف متوائمة مع حفظ النفس وسلامة الحج، ألا نسميها جَمَال الإنسانية.
وألا نسمي خدمات عامة ومعيشية وتوعوية وتثقيفية وإعلامية مجانية، وأعمالًا خيرية وإنسانية، بالعطاء الجميل.
وماذا نسمي تطوع المواطنين في خدمة ضيوف الرحمن الوافدين في جميع المجالات، أليس هذا من جميل الفعال في خدمة ضيوف الرحمن، وضيوف الوطن السعودي المعطاء.
وماذا نصف جنود وطدوا الأمن وتفانوا في العمل الإنساني يحملون العاجز ويدلون التائه ويسقون العطشان، ويطعمون الجائع، ويرشدون السائل، ويعينون المحتاج ويتحملون الجاهل، أليسوا الجمال بعينه.
وأليس جميلًا وجمالًا ‏ما تقوم به وزارة الحج والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف في سبيل تهيئة الحرمين لاستقبال الحجاج وتعبد المتعبدين وخدمتهم على أجمل صوره.
إن قيادة ملوك المملكة وأمراء مكة لمواسم الحج وإدارة الحشود المليونية من القوى البشرية السعودية بكل كفاءة واقتدار في زمان محدد ومكان معين أيام معدودات وأشهر حج معلومات ومواضع نسك بينات في رحلة إيمانية تنطلق من أنحاء العالم إلى مركز الكون وقبلة الدنيا ومحج الناس، ومنها ترتد إلى أصقاع الأرض لهي أعظم وأجل وأجمل مسيرة بشرية إسلامية.
وألم يكن إنشاء الهيئة الملكية ‏لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة والذراع التنفيذي شركة كدانة، وتحويل مهنة الطوافة من الفردية إلى شركات،
و تطوير أنظمة الحج والارتقاء باستراتيجيات العمل والخدمات، والتقدم والتوسع في استخدام التقنية والنظم وخدمات الاتصالات الحديثة وتوفيرها، والتحول إلى الرقمنة والذكاء الاصطناعي، واستخدام المنصات والروبوتات والتطبيقات والبطاقات والأساور الذكية نحو خدمات عصرية ومدن ذكية، هي لمسة جَمَال وجمالية خدمات لموسم حج ورحلات حجاج لم يسبق لها مثيل عبر عصور التاريخ، وقد ازدهت في العهد السعودي الميمون بالأمن واليسر والرخاء والجودة والجمال.

* أستاذ كرسي الملك سلمان بن عبد العزيز لدراسات تاريخ مكة المكرمة بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com