المقالات

جحا ومساميره!

من أشهر قصص الدهاء والخبث المغلفتان بالفكاهة في التراث العربي الشعبي قصة (مسمار جحا)، وجاء فيها أن (جحا) باع بيته (إلا) مسمارًا تركه في أحد جدران بيته المباع، واتخذ (جحا) ذلك المسمار عذرًا كي يكرر دخوله للبيت (يوميًا وقت الطعام) بحجة زيارة مسماره، وتسببت تلك الزيارات والأكل المجاني في إزعاج المشتري، مما اضطره لترك بيته والهروب بما بقي لديه من مال حتى يتخلص من (جحا) وألاعيبه! ومنذ ذلك الوقت، نردد (قصة مسمار جحا)، كناية عمن يتخذ حججًا واهية كي يصل إلى هدفه بغض النظر عما يسببه للآخرين من إزعاج وضرر!

وفي عصرنا الحالي، لم يعد هناك مسمار فقط، فقد تمكن (جحا) من تنمية ثروته من المسامير عددًا واستخدامًا، منها ما يكون للاستخدام الخشبي ومنها ما يكون للبناء ونوع آخر للأرضيات، وتغيرت أشكالها وحتى ألوانها، أصبح لدينا مسمار (الديموقراطية) والذي مكن دول من احتلال غيرها، ومسمار (القروض) الذي سيطر على مقدرات الشعوب، وجعلها رهنًا لشعوب أخرى! أما مسمار (حرية التعبير) فلا يستخدم إلا على جدران الدين والأسرة وإثارة الفوضى داخل الدول، وهناك نوع متعدد الاستخدام وفي أي زمان يسمى مسمار (حقوق الإنسان)، وهو فعال لأغراض التدخل في شؤون الدول وانتهاك سيادتها.

التعامل مع المسامير يحتاج قدرة وسياسة وحنكة، استخدام القوة (بدون عقل) لنزع المسمار قد يسبب الأضرار، وربما ينتج عنه ضياع بيت أو قتل أبناء أو احتلال وطن وفقد سيادة!

في عالمنا العربي وما جاوره، لا زلنا نعتقد أن المطرقة (الشاكوش) هي الوسيلة الوحيدة للتعامل مع المسامير، تعودنا على نبرة الصوت العالي وشعارنا (ويلك يللي تعادينا يا ويلك ويل)! نبرة التحدي والاستعلاء (بدون امتلاك أدواتها) أفقدتنا (العراق العظيم) البلد النفطي الكبير، وأعادته إلى عصر ما قبل النفط! وهي ذات النبرة التي أدخلت الشقيقة الكبرى (مصر) إلى أتون حربين (67.56) خسرت فيها أرواحًا وأموالًا وأرضًا وغيرها من القدرات، ولم تكن (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى) بأفضل من شقيقتيها وحالها الآن يغني عن أي شرح وتفصيل. ولعل أبرز ما نزل الأسواق من مسامير في القرن الحالي هو مسمار (خاشقجي) الذي استخدمه (البعض) إعلاميًا لابتزاز (السعودية) سياسيًا، وتعهد (البعض) بأن يجعلها دولة (منبوذة)، وتطاول (آخرون) واستنتجوا أن هذا المسمار هو الذي سوف يصيب السعودية بمرض الكزاز (التيتانوس)، ويصيبها بالتشنج ومضاعفاته، ولن يفلح معه مصل أو مضاد!

الحملة الإعلامية المكثفة آنذاك التي شُنت على السعودية عامة وولي عهدها خاصة وتعدد طرقها (قنوات تلفزيونية – صحف – وسائل تواصل – مقاطعة دافوس الصحراء – الهجوم خلال الانتخابات- …إلخ) جعلت الكثيرين ممن انساقوا خلف الدعاية الإعلامية يتساءلون: هل حادثة (خاشقجي) هي الثانية بعد حادثة (قابيل وهابيل)؟ ليس تهكمًا على حادثة (خاشقجي) بل استفهامًا استنكاريًا أمام ردة فعل العالم التي لم نرها في حوادث أكثر دموية وعنفًا! لا أقصد (غوانتنامو وأبو غريب) فهما سيظلان مثل (هيروشيما وناجا زاكي) وشمًا أسود على جسد مرتكبيها، بل أين الإعلام عن المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن دم (ملايين) العراقيين الذين قضوا بسبب معلومات خاطئة من (الاستخبارات الأمريكية) عن أسلحة الدمار الشامل؟، ولماذا تسابقت (بعض) الحكومات الغربية (للتغطية) على حادثة انفجار (مرفأ بيروت) ومن هم مرتكبوها وهل نالوا جزاءهم؟ وإذا كان الأمر له علاقة بالإعلام، فلماذا لم نرَ ردة الفعل ذاتها تجاه موت بعض الإعلاميين مثل (سمير صفير) أو (فيكتوريا مارينوفا) أو (شيرين أبوعاقلة)؟ حتى بعد صدور الأحكام القانونية على الجناة لم تخمد الهجمة الإعلامية ضد السعودية وولي العهد، بل استمرت أشهرًا مما أكد لكل ذي لب بأن الهجوم الإعلامي المستتر خلف (حادثة خاشقجي) لم يكن للحادثة بل لأهداف أخرى!

ذلك (السعار الإعلامي) تصدت له السعودية بثبات (طويق) وخبرة وتوجيهات (ملك الحزم والعزم) وشغف وطموح (قائد ملهم) لم تشغله المؤامرة عن التخطيط لمستقبل مملكته لتكون (أوروبا الجديدة)، واستطاع أن (ينبذ) صناع المسمار بدون جهد بل وحملهم (تكلفة دهان الشقوق) التي سببها ذلك المسمار وأمام (تلفزيونات وصحف ووسائل تواصل) العالم! وسوف يكون لمسمار (القبضة) كلمة عكسية في القادم من الانتخابات.

ختام
بالصوت العالي والشعارات (قد) تحقق هدفك لكنك سوف تؤذي حنجرتك وتجرح حبالك الصوتية، وتزعج آذان مستمعيك وتصيبهم بالصمم، وبالصوت الهادئ (الواثق) المفعم بالحكمة والكياسة سوف تنال ما تريد وتسيطر على الجميع.
شكرًا قيادتنا “الرشيدة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com