المقالات

علي الهلال.. دكتور بمرتبة الشرف

يُبهرنا أحيانًا نماذج سطرت لها تاريخًا مختلفًا، ومتوشحًا بلغة الإنجاز.
قد تكون الدرجة العلمية شهادةً مكتوبة، وقد تكون خبرة حياة مع مرتبة شرف الكفاح.
الرعيل الأول من المعلمين هم من وضعوا لبنات التعليم الأولى، وأزاحوا ظلام الجهل والأمية في ظروف معيشية صعبة، وساهموا في بناء الوطن وقادوا مراحل التنمية الأولى لوطننا المعطاء.
علي بن سعيد الهلال معلم أنموذج دخل التعليم من بوابته الأولى بمنطقة الباحة، كافح وناضل من مدرسة القرعاوي حتى التحق بالتعليم النظامي بابتدائية الأطاولة ببلاد زهران (بمنطقة الباحة)، والتي تأسست عام ١٣٧٢هـ، وكان قائدها المربي الفاضل أ- جمعان الهلالي وتخرج منها عام ١٣٧٨-١٣٧٩هـ؛ ليلتحق بمعهد المعلمين بالأطاولة ليكون ضمن أول دفعة للمعهد ليسجل اسمه ضمن القائمة الشرفية الأولى للمعلمين في وطن العطاء بمنطقة الباحة وذلك عام ١٣٨٢هـ.
تلك الدفعة المباركة والتي أعقبها دفعات من النماذج المميزة للمعهد الذي قاد دفته أ- هاشم جنبي ثم خلفه الدكتور سعيد بن عطية أبو عالي (مدير عام التعليم بالمنطقة الشرقية سابقًا)؛ فكان العلي الهلال نموذجًا في تلك الدفعة التي ضمت بمعيته رفاق السبق من المعلمين الأجلاء مثل: سعيد بن مسمار وحسن القد والحسين مذكر وغيرهم؛ فسجلوا لأنفسهم دكتوراة شرفية في تعليم لا يقبل آنذاك إلا بنماذج ومخرجات توازي الدرجة العلمية للدكتوراة حاليًا؛ فلو رجعنا للمقررات وتوصيفها لعرفنا صناعة الفارق الذي يشهد به تاريخهم التعليمي.

علي بن سعيد الهلال

قبل تخرج العلي عاش ظروفًا صعبة لم تقف يومًا عائقًا لإكمال مسيرته التعليمية؛ فالتعلم بالمعايشة كان شاهد العصر عليه حين عاش مع رفاقه علي فاضل وعبدالله فاضل في منزل العميري بقرية الأطاولة؛ فعاش بين البر بوالديه وزيارتهما وبين إكمال مسيرته التعليمية.
تعين معلمًا واستمر في بذله المعطاء؛ فكان معلمًا بالمرحلة الثانوية في بعض الفترات ملبيًا رغبة قائد المدرسة وثقته بمستواه وحصيلته العلمية.
رجل الخير كما عرف بسمته وسلوكه الذي يشهد له الجميع كان إمامًا لمسجد القرية ناشرًا للخير، ومعلمًا لطلابه ومجتمعه.
جلست معه ذات مساء فحلق بي في رحلته التعليمية؛ فكنا نتنقل بين أصالة التعليم الحقيقي ومواقف حياتية تستحق أن تكون قصصًا يتدارسها الأجيال، كنت أتأمل حبه للتعليم الذي نذر له من العمر ٣٥ عامًا كانت حافلة بالبذل والعطاء والإخلاص.
سألته لماذا التقاعد المبكر؟ فقال لي: حين شعرت بعدم القدرة على الاستمرار توقفت احترامًا لعملي ولطلابي واستشعارًا للأجر الذي أتقاضاه؛ فلا أود أن يكون هنالك تقصير يؤنبني عليه ضميري.. شعرت حينها بقيمة هذا النموذج وأصالته؛ فهو بالفعل دكتور بمرتبة شرف الكفاح؛ فهنيئًا له بما قدم وجزى الله ابنه الدكتور عبدالله عنه وعني كل خير؛ فهو من أعطى لنا تلك المساحة من ذلك التاريخ الجميل.
ختامًا أدعو الله لهما ولنماذج تلك الحقبة، ولكل معلم بدوام السؤدد والتوفيق، وعلى دروب المحبة نلتقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى