المقالات

رحمك الله أبا هيثم

غيّب الموت كل ذكرى جميلة بدأت في أول لقاءات المحبين، غيب هادم اللذات كل ابتسامة عريضة رسمت بكل ود وحب على محيا الوجوه القديمة، وأوقف الأجل المحتوم كل خطى الحياة نحو السعادة المأمولة، وغيب الحق كل الرغبات القريبة والآمال البعيدة وظهرت الحقيقة التي لا تحتمل الشك لكل من كان لديه ثمة شك في القول الفصل:” كل من عليها فان”. سنوات سعيدة مضت كأنها أيام محدودة، بل كأنها ساعات معدودة، بل وكأنها ثواني قليلة. وحتى الآن لا زلنا نعتقد في هذه المغرورة، هذه الزائفة ونظن أنها خالدة وهي زائلة، نظن أنها دائمة وهي عابرة، نظن أنها مستمرة وهي مؤقتة. أيها الموت أنت الواقع الذي لا يمكن أن يُنكر في كل الأحوال، أيها الموت أنت تمضي ولا تقبل لحظة الوقوف، أيها الموت أنت وقت متواصل ليس له موعد محدد. نتناولك في أحاديثنا ليل نهار ولكن بلا أية عبرة تذكر، ونتحدث عنك وكأن أمرك يعني أناس آخرين نعرفهم وقد لا نعرفهم ولكن لا ندرك أننا سوف نكون يوماً ما جزءًا من هؤلاء الناس الراحلين طال الزمن علينا أو قصر وما أكثر العبر وما أقل المعتبرين . سنرحل عبر الموت إلى أرض لا تقبل إلا الدار الواحدة، والعيش المفرد، والحياة المؤقتة وستكون ذات خيار واحد ولا تقبل أنصاف الحلول فإما تلك الروضة السعيدة أو تلك الحفرة المؤلمة وكلنا أمل في الرحمن الرحيم.

وأنت أيها العبد لله المؤمن به رحلت عنا من هذه الحياة الدنيا فجأة، رحلت عنا في لمح البصر، في لحظة كنا ننتظر معك أوقات جديدة من السعادة وبعد أيام معدودة فقط كنت تعدها أنت أمل وكنا نعدها جميعاً أجمل موعد نشاركك فيها الفرح والسرور في ليلة من ليالي الحب والبهجة. رحلت عنا وقد ذكرك الكثيرون بالخير والمحبة، وشكر لك المحبون وقفاتك النبيلة معهم وهذا ما نعلمه عنك، وهذا ما سمعناه عنك والخافي أكبر وأعظم. فكم أدخلت البسمة على حزين، وكم نفْست كربة ضائق مسكين، وكم يسرت أمر عسير بتوفيق الله وتقديره. ويكفي أنك تُعد ممن علم الناس الخير. ويكفي أنك تركت ممن هم من خلفك في سعة واطمئنان وأمان فلا أنسى تماماً ذات مساء ما قلته لي حقيقة :” كل تعبي في هذه الدنيا لأجل فلذات كبدي.. فلمن أسعى؟ ولمن أتعب؟ ولمن أذهب هنا وهناك؟ كل ذلك لأجلهم وقد حققت حلمي برؤية العدالة بين أبنائي وبناتي فيما أملك ولله الحمد والمنة”. رحلت وقد جعلتهم يحزنون عليك الحزن المتعب، الحزن المرهق، الحزن العميق، وعزاؤنا بأنك غادرت المكان فقط ولكنك تربعت في كل القلوب المحبة، هذه القلوب الصادقة التي دعت وستدعو لك في كل وقت وحين بأن تكون في روضة من رياض الجنة، وسوف تخلد بإذن ربك الغفور الرحيم في جنة عرضها السموات والأرض وبجوار سيد الخلق محمد. رحمك الله تعالى أيها القريب والصديق، رحمك أيها الراحل الكريم، رحمك الله رحمة واسعة أبا هيثم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى