
“رجعوني عينيك لأيامي اللي راحوا.. علموني أندم على الماضي وجراحه.. اللي شفته قبل ما تشوفك عينيا.. عمر ضايع يحسبوه إزاي عليّا.. أنت عمري اللي ابتدى بنورك صباحه”.. كلمات طالما أثارت إعجاب وشجن الملايين من عشاق الطرب على مستوى الوطن العربي الذين استمعوا لتلك الكلمات ضمن رائعة “أنت عمري” التي شدت بها سيدة الغناء العربي أم كلثوم.
وراء تلك القصيدة التي غنتها سيدة الغناء العربي للمرة الأولى على مسرح الأزبكية عام ١٩٦٤ كواليس وحكايات غير معلومة، كشف النقاب عنها الإذاعي فريد مخلص عبر حلقة برنامجه “أبواب” الأولى حين استضاف الشاعر أحمد شفيق كامل مؤلف القصيدة، الذي روى أسراراً لأول مرة عن تلك الأغنية التي احتفظت برونقها على مدار عشرات السنوات، والتي خرجت للنور بناء على طلب من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وكشف “شفيق” أنه اضطر لتغيير مطلع الأغنية بناء على طلب أم كلثوم، التي اعترضت على جزئية “شوقوني عينيك” لعدم تناسبها مع باقي كلمات القصيدة من وجهة نظرها، ليقرر تغييرها إلى “رجعوني عينيك”، وهو ما نال إعجابها لتقرر الحفاظ على باقي الكلمات دون تغيير.
وعن مهمة التلحين التي تولاها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، أوضح الشاعر خلال ظهوره ببرنامج”أبواب”، أنه كان يستهدف غناء القصيدة بصوت محمد عبدالوهاب في الأساس ولكن بعد حصول أم كلثوم على الأغنية تولى “عبدالوهاب” مهام التلحين، موضحاً أنه كان لديه قدرة لتمييز الكلمات المميزة من الوهلة الأولى، وفور إعجابه بها اطمأن إلى نجاحها، حيث انتهى الموسيقار الكبير من تلحين المقطع الأول في ١٠ دقائق فقط.
عرض قصيدة أنت عمري للمرة الأولى كان له حكاية أخرى رواها الشاعر أحمد شفيق كامل خلال حواره مع فريد مخلص، مشيراً إلى أنه كان يشعر بالقلق قبل عرض الحفلة لأنه كان سيتحمل المسئولية بمفرده حال عدم تحقيق النجاح المأمول، لكون أم كلثوم هي سيدة الغناء العربي، كما أن محمد عبدالوهاب يتربع على عرش التلحين الغنائي، وهو ما دفعه لعدم حضور الحفل منذ بدايته واكتفى بسماعه عبر الراديو، ومع ردود الفعل المبكرة من الجمهور وتفاعلهم الإيجابي مع الأغنية، اطمأن قلبه وتوجه لمسرح الأزبكية الذي يبعد عن منزله ١٠ دقائق فقط، موضحاً أنه جلس في الصفوف الأخيرة لعدم وجود مقاعد خالية بعدما ملأ الجمهور المسرح بالكامل.
وأوضح أحمد شفيق أنه من أكثر الشعراء الذين تعاملوا مع أم كلثوم وعبدالوهاب في آن واحد، حيث كتب ٤ أغاني لسيدة الغناء، بينهم ٣ من تلحين موسيقار الأجيال وهي: أنت عمري، وأمل حياتي، ثم ليلة حب التي كانت آخر أعمالها على المسرح قبل وفاتها.
وتوفي الشاعر أحمد شفيق كامل في ٣١ أغسطس ٢٠٠٨، بعدما كتب العديد من الأعمال الغنائية المميزة، وفي مقدمتها أغنية “أنت عمري” التي جمعت بين العملاقين أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب بناء على طلب الرئيس جمال عبدالناصر، الذي طلب منهما الالتقاء في عمل فني مشترك حتى يستمتع الوطن العربي بالقوة الناعمة المصرية، وهو ما دفع سيدة الغناء العربي للتواصل مع الشاعر أحمد شفيق حتى تم الاستقرار على تلك الأغنية التي كانت مكتوبة في الأساس لعبدالوهاب، إلى أنه اكتفى بالتلحين في النهاية لتنفيذ الطلب الرئاسي.

ظهور بعد غياب
وكان لهذا اللقاء قصة أخرى كشفها الإعلامي فريد مخلص في تصريحات لصحيفة “مكة” الإلكترونية، موضحاً أنه جاء في الحلقة الأولى من برنامج “أبواب” عبر إذاعة جدة قبل ما يقرب من 14 عاما، حيث كان يرغب في انطلاقة قوية للبرنامج مع ضيف مميز قليل الظهور الإعلامي سواء إذاعيا أو تلفزيونيا.
وأشار “مخلص” إلى أنه استقر على استضافة الشاعر أحمد شفيق إلا أنه اصطدم وقتها بامتناعه عن تلبية الدعوة للظهور في أي لقاءات عبر الإذاعة والتلفزيون المصري لظروفه الصحية، وكان شبه معتزل للظهور الإعلامي.
وروى الإذاعي الكبير أن صداقة الإعلامي علي فقندش بأسرة الشاعر المصري أسهمت في إقناع زوجته بالمشاركة، وهي بدورها أقنعت الشاعر الكبير بالموافقة على إجراء اللقاء، وطلبت منه بشكل شخصي أن يكون مختصرا نظرا لحالة زوجها الصحية، وهو ما حدث بالفعل.