المقالات

المرض والشفاء من الله تعالى

إنَّ النصر الذي وعد الله المؤمنين به ليس سهلًا، بيد أنّه يتحقق للذين يستحقونه بإخلاصهم لعقيدتهم وثباتهم عليها وجهادهم في سبيلها، حيث إن ثمرة هذا الجهاد الطويل كما بيّن القرآن الكريم نصر من الله وفتح قريب، وتمكين في الأرض واستخلاف لمن ثبت على البأساء والضرّاء، ويقابل ذلك خذلان وانتكاس لأهل الباطل في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ولأن المرض والشفاء من الله، فإن الصبر على المرض حتى الشفاء لهو نوع من الفرج والتمكين من لدن عزيز حكيم، ولنا في قصة صبر نبي الله أيوب – عليه السلام- على المرض المثل والقدوة، فحين صبر طويلًا ودعا ربه، كشف الله – تعالى- عنه البلاء، وشفاه من جميع أمراضه وأعاده طبيعيًا.. فالمرض إذًا- اختبار للإرادة، وقد ذكرت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة أن الإلحاح في الدعاء يُغير القدر، كما وردت أدعية كثيرة للشفاء من المرض، يدعو بها الشخص لنفسه أو لغيره إذا أصابه أي مكروه.
وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لرجل شكا إليه ألم في بدنه: “ضَعْ يدَك على الَّذي تأْلَمُ مِن جسدِك وقُلْ: بسمِ اللهِ ثلاثًا، وقُلْ: أعوذُ باللهِ وقدرتِه مِن شرِّ ما أجِدُ وأُحاذِرُ سبعَ مرَّاتٍ” (رواه البخاري).
والأمر الآخر، أنه إذا علم المريض أن لدائه علاجًا، قوي رجاؤه واستبشرت نفسه، وأعانه ذلك على تجاوز ما هو فيه من ألم وهم وغم، وخف عليه ثقل المرض، وربما كان ذلك – بإذن الله- سببًا من أسباب زوال ما ألم به.
وإذا علم الطبيب أن لسعيه أثرًا وأن لبحثه غايةً، قويت همته وزاد عزمه، ونشط في البحث والتجربة ليصل إلى علاج المرض، ولعل هذا المعنى مما يومئ إليه حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- أن النبي – صلي الله عليه وسلم- قال -: “ما أنزل الله داء إلا قد أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله” (رواه البخاري).
وفي حديث آخر، يقول – صلى الله عليه وسلم- : “تداووا عباد الله، فإن الله عز وجل لم ينزل داء، إلا أنزل معه شفاء، إلا الموت، والهرم” (رواه مسلم).. والهرم: أي ضعف الشيخوخة، ونقص الصحة، فإن ذلك يقرب من الموت، ويفضي إليه، وفي رواية “إلا السام”.. والسام (بتخفيف الميم) الموت، أي المرض الذي قُدر لصاحبه الموت منه، فلا دواء له.
وتجدر الإشارة إلى أن الطبيب قد يصيب الدواء المناسب، ويهتدي إليه فينجح في معالجة الداء -بإذن الله-، وقد يخطئ الطبيب في معرفة الدواء، أو في تشخيص المرض فيفشل في العلاج.
وهناك من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتدِ إليها عقول أعظم الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم، فالأدوية القلبية، والروحانية، وقوة القلب، واعتماده على الله، والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والاطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له، والصدقة، والدعاء، والتوبة، والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب، هذه الأدوية قد جربها أبناء أمة الإسلام على مر التاريخ، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء.
ومما يجب التأكيد عليه أيضًا في هذا السياق أن الأمراض التي تصيبنا ابتلاء وأنها مكفرات للذنوب، وهذه نعمة كبرى يغفل عنها الكثيرون، لذلك قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمّ ولا حَزَنٍ ولا أذى ولا غَمّ حتى الشوكة يُشَاكُها إلا كفَّر الله بها من خطاياه” (متفق عليه)، وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ما من عبد يُصرع صرعة من مرض إلا بعثه الله منها طاهرًا” (رواه الطبراني)، كما قال – صلى الله عليه وسلم-: “ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها” (رواه البخاري).
ولأن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء ونعمة كبرى من لدن عليم حكيم، يكون الفرح كبيرًا بالتعافي من المرض، فالصحة رزق عظيم، وأكم من أناس يعتقدون أن الرزق هو المال، وهذا اعتقاد خاطئ؛ فالمال جزء من الرزق، وربما يكون الجزء الأقل منه قياسًا بالصحة والستر.
وأخيرًا….. لقد حملت الأحاديث النبوية الشريفة البشرى للمريض الصابر المحتسب بأن الشفاء قادم لا محالة – بإذن الله-، حيث وردت في هذا الباب العديد من الأحاديث، ومنها: قول النبي الكريم في حديث أبي هريرة: “إن الله لم ينـزل داءً إلا أنزل له شفاء” (رواه البخاري).
وفي حديث جابر، قال: قال رسول الله: “لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عزّ وجل” (رواه مسلم).
قال ابن القيم – رحمه الله- : في قول النبي “لكل داء دواء” تقوية لنفس المريض والطبيب وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه.
وفي حديث أبي الدرداء أن النبي قال: “إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام” (رواه أبو داود).
وفي حديث أبي هريرة أن النبي قال: “عليكم بالحبة السوداء فإنها شفاء من كل داء إلا السام” (متفق عليه).
أما في حديث أبي سعيد، فقال أن رجلًا جاء إلى النبي فقال له: “إن بطن أخي استطلق، فقال النبي الكريم: “اسقه العسل… ” (متفق عليه).
وفي حديث سعيد بن زيد أن النبي قال: “الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين” (متفق عليه).. والكمأة: نبات ينبت في الأرض بغير عمل، ولذا أسماه النبي الكريم منًا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى