المقالات

السعودية والآمال العربية في قمة جدة

في القمة العربية عام 1981م المنعقدة بمدينة فاس المغربية تقدمت السعودية بمبادرة للسلام مع إسرائيل قدمها آنذاك خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- حين كان وليًا للعهد تعتمد على مبدأ الأرض مقابل السلام، وهو نفس المبدأ الذي تبنته المبادرة العربية لعام 1426 بمبادرة من السعودية أيضًا وقدمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله-. وفي فاس عارض المبادرة بعض الزعماء العرب الذين سادوا ثم بادوا وعارضها بقوة الزعماء الفلسطينيين تجار القضية الفلسطينية المتنفعين من استمرارها.
بقي الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره يُعاني ويلات الاحتلال، وبقي السلام المنشود، وبقيت السعودية على منهجها تبادر وتنادي وتجاهد دون كلل ولا ملل، وهنا تذكرت هذا الشطر (كل ماشاف له عله يدور دواها) من بيت لشاعر الساحتين النبطي والفصيح والنظم والمحاورة مطلق الثبيتي -رحمه الله-، وقد سبق الثبيتي لهذا المعني الشاعر العربي المقنع الكندي من قصيدته المشهورة التي مطلعها: يُعَاتِبُنِي فِي الدَّيْنِ قَوْمِي حين قال:-
أَسُدُّ بِهِ مَا قَدْ أَخَلُّوا وَضَيَّعُوا
ثُغُورَ حُقُوقٍ مَا أَطَاقُـوا لَهَا سَدَّا
إن المتأمل في السياسة الخارجية للمملكة مذ وحدها المغفور له الملك عبد العزيز -رحمه الله- حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك/ سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان يشاهد الجهود الجبارة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية لرأب الصدع وردم الهوة في العلاقات العربية على مدى عقود وأن هموم الدول العربية وقضايا الأمة دائمة الحضور والطرح على طاولة المفاوضات السعودية مع القوى العالمية؛ فكم بادرت وتوسطت ورمت بثقلها لإصلاح الأشقاء في لبنان وفلسطين واليمن وغيرهم، وقبل أيام محادثات سودانية هامة وحساسة لإيقاف نزيف الدم السوداني.
اليوم تنعقد القمة العربية في السعودية في ظروف عالمية مختلفة وغاية في التعقيد والتقاطعات؛ لذلك فقد استبقتها المملكة توطئة لنجاحها بأعمال ماراثونية فأعادت سوريا للحضن العربي لجامعة الدول العربية.
وقبل ذلك تمت المصالحة مع إيران بمبادرة صينية وشروط سعودية؛ لتحجيمها من التدخل في الشأن العربي، وكذلك استطاعت السعودية أن تجمع البحرين وقطر وتنهي خلافهما، وهي تعمل الآن جاهدةً لإنهاء الخلاف والقطيعة بين دولتي المغرب والجزائر كل ذلك لإنجاح العمل العربي المشترك، ولإيمانها بأن النجاح والتقدم للجميع.
إن ما يميز هذه القمة أنها تنعقد بقيادة تجمع بين الحكمة والحيوية وبرؤية استراتيجية رسمت طرق النجاح داخليًا وخارجيًا، وظهر ذلك سريعًا في تعاملها مع القوى الدولية والأحداث العالمية؛ فاستطاعت أن توجه بوصلة سياستها المتوازنة بما يحافظ على المصالح بعلاقة قوية مع الصين كقوة عُظمى آخذة في المشاركة العالمية وعلاقة متزنة مع روسيا مع الاحتفاظ بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية القوة العُظمى عالميًا، وكلنا يتذكر القمم العربية التي تعقدها مع زعماء العالم كقائد للعرب وممثل لهم على الأرض لا على صفحات الجرائد.
يتطلع العرب من الخليج إلى المحيط إلى السعودية بآمال ويرمقونها بأعينٍ ساهدة أن ترمم هذه القمة بنيان الأمة ودون الخوض في جدول أعمالها، وما رَشَح من أخبار عن القمة العربية المنعقدة اليوم الجمعة في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية من مشاركة كل الزعماء العرب يبشر بنتائج واعدة للم الصف ورأب الصدع، والخروج بخارطة طريق للعمل العربي المشترك الذي ينهض بهذه الأمة، ويعيدها إلى مصاف الدول المتقدمة وإلى مكانها الذي تستحقه فيحدونا الأمل لنتطلع لقمة عربية ناجحة ونتائج مثمرة وأهداف رائدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى