في عالمٍ يتغير كل يوم، لم يعد الذكاء مجرد حفظ معلومة أو النجاح في اختبار، بل أصبح الخيال هو العملة الأغلى .. هو الشعلة التي تضيء الطريق وتفتح أبوابًا لا تراها أعين الآخرين. فالخيال بالنسبة للأطفال ليس هروبًا من الواقع، بل جسرًا لبناء واقعٍ أجمل. لقد أدركت هذه الحقيقة مبكرًا، لكنني لم أتذوق معناها العميق إلا عندما اصطحبت أبنائي في رحلة العلم والحياة خلال فترة ابتعاثي إلى بريطانيا. هناك، شاهدت بأم عيني كيف يصنع الإبداع منذ الطفولة… وكيف يُمنح الخيال مساحة ليكبر وينمو بثقة.
الخيال .. الوطن الأول للأفكار الكبيرة
الأطفال يأتون إلى الحياة مزودين بمحرك خيالي لا ينفد .. يرون العالم بعيون الدهشة والاكتشاف. يرسمون أحصنة تطير، وبحارًا تبتسم، ومدنًا تنبض ألوانًا .. ومهمتنا نحن الكبار ليست أن نطفئ هذه الشرارة، بل أن نحميها من رياح الواقع القاسي. فالطفل الذي يتخيل اليوم، هو من يبتكر غدًا ويعيد تصميم الحياة كما يحلم.

صورة إبنتي د. ناجية عصام أزهـر مع زملائها بمدرسة سبرينغ فيلد – مدينة شيفيلد
تجربتي مع أبنائي في مدارس بريطانيا
في مدارس بريطانيا، كان الخيال جزءًا من المنهج .. لا يقل أهمية عن الرياضيات والعلوم. يشجعون الطفل على أن:
- يكتب قصة عن نفسه بصفته بطلاً خارقًا
- يبني نموذجًا لمدينة من الكرتون تمثل أحلامه
- يمثل أمام زملائه شخصية خيالية اخترعها
- يبتكر حلولًا لأزمة بيئية بطريقة غير مألوفة
لم يكن التركيز على الإجابة الصحيحة فقط، بل على الطريقة التي يفكر بها الطفل .. على الرحلة، قبل الوجهة. كنت أرى أبنائي يعودون كل يوم بعيون تلمع .. يحكون عن معلم/معلمه قالوا لهم:
“تخيلوا لو كنتم أطباء فضاء!”
أو
“كيف سيكون شكل العالم بعد 100 عام؟”
وهنا شعرت بقيمة هذا التعليم: إنهم لا يعلمونهم كيف يعيشون في الحاضر فقط، بل كيف يخترعون المستقبل.
كوالد .. ماذا تعلمت؟
تعلمت أن الإبداع يبدأ من البيت .. من الإصغاء لحكاية لم تكتمل، من لوحة غريبة رسمها طفل وابتسم لها،
من سؤال بسيط: “ماذا لو…؟” فاكتشفت أن:
- الطفل يحتاج مساحة لا أوامر
- يحتاج تشجيعًا لا مقارنة
- يحتاج فرصة ليفشل حتى يبتكر
ومن أعظم الدروس التي تعلمتها: كل فكرة يسخر منها الكبار .. قد تصبح يومًا قصة نجاح يصفق لها العالم.
لماذا نحتاج للخيال أكثر من أي وقت؟
لأننا نعيش عصرًا لا يحترم التكرار .. عصرًا يكافئ من يفكر بشكل مختلف. الاقتصاد، التكنولوجيا، الصحة، الفنون .. كلها تقاد اليوم بأفكار خرجت يومًا من خيال طفل.
الطفل الخيالي .. هو العالم الذي سيغير قواعد اللعبة
الطفل الحالم .. هو القائد القادمبينما الطفل الذي يمنع من الحلم .. عندما يصبح كبيرًا يخاف من التغيير
كلمة ختام .. من قلب أبٍ عاش التجربة
أبناؤنا ليسوا مشاريع نديرها .. بل أرواحًا نحرس نورها.
دعونا نمنحهم:
- ورقة بيضاء بدل الإجابات الجاهزة
- سؤالًا مفتوحًا بدل قلق الدرجات
- حرية اختيار الطريق .. بدل رسم الطريق لهم
فلنحافظ على مخيلتهم حية، لأنها البذرة التي ستنبت ذات يوم عالمًا أجمل مما نعرف.
دعوا أطفالنا يحلمون .. لعل في أحلامهم مستقبلنا كله …




