
محمد بربر
تتضارب الأرقام الخاصة بأعداد مرضى الأطفال المصابين بمرض التوحد، وتختلف الإحصائيات التي أكدت أن معدل الإصابة في مصر عام 2008 بلغ 15% في حين أشار المجلس القومي للطفولة والأمومة المصرى إلى أن نسبته تصل إلى 8%، وهو ما يطابق إحصاءات مركز التحكم والوقاية من مرض التوحد بأن طفلاً من بين 88 طفلاً مصاب بالتوحد.
وأمام هذه الحالات، فإن الكثير من المهام تقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني إلى جانب الكثير من الآمال التي تتمناها أسر الأطفال المصابين من الحكومة تزامنًا مع الظروف الاقتصادية الصعبة وضيق ذات اليد وتفاوت المستوى الاقتصادي بين العائلات.
في البداية تقول هدى عماشة، مدير مؤسسة “الابن الخاص”، إن هناك الكثير من الأسر بحاجة إلى دعم مادي ومعنوي من قبل الجمعيات الأهلية فضلا عن دور الحكومة في تقديم المساعدات لمرضى التوحد، مشيرة إلى أن الطفل يصاب به في السنوات الأولى من حياته ويؤثر بشكل كبير على النمو العصبي للمخ والعلاج الخاص بالمرض مكلف ومرهق للأسر البسيطة والمتوسطة كما أن تكاليف الجلسات التي تقدمها المراكز الطبية العاملة في هذا المجال أصبحت مرتفعة ووصلت إلى 100 جنيه في الساعة الواحدة.
وتضيف عماشة “من الصعب على الوالدين التأقلم مع الطفل المصاب بمرض التوحد دون مرشد وتوفير أخصائي المركز الطبي المتخصص في تعريف الابن أو البنت بكيفية التعبير عن النفس وفهم أحاسيس الآخرين وإدراك المحيط الخاص بالمنزل والأطفال المصاحبين له أو المصابين بالمرض صعب للغاية، نحن بحاجة لتسليط الضوء بشكل كبير وعلى المجلس القومي للطفولة والأمومة ووزارة التعليم تنظيم فعاليات لدعم وتثقيف المجتمع بهذا المرض”.
عقبات في مدارس الحكومة رغم قرار “الدمج”
من جانبه، يكشف إبراهيم عبد الخالق، أخصائي التربية الخاصة، عددًا من العقبات التي تواجه أسر الأطفال المصابين بمرض التوحد، مطالبًا وزارة التربية والتعليم بدمجهم داخل المدارس الحكومية في مصر بشكل يكفل لهم حقهم في الحصول على تعليم جيد، مؤكدًا أن التشريعات تلزم كل مدرسة بقبولهم لكن الحال يتغير تمامًا في الواقع، مضيفًا “احنا محتاجين فعلا إن الناس تعرف يعني إيه توحد علشان لما أي طفل يشوف زميله يحترمه ويقدره وهكذا الأهل والمدرسين، وبعض المشرفين في المدارس ميعرفوش عن التوحد حاجة وبيعاملوا الطفل المصاب بشيء من الجهل والإهانة بحسب شكاوى أولياء الأمور اللي بتوصلنا”.
وعن الوضع في المدارس الخاصة بيّن عبد الخالق “الاختبارات التي تجرى للأطفال عمومًا لدخول مدارس الدمج بحاجة إلى مراجعة وحسم نسبة الذكاء أو إلغاء هذه المشكلة، والأب لو توجه إلى مدرسة خاصة يبقى محتاج حوالي 10 آلاف جنيه شهريًا على الأقل علشان يهتم بتعليم ابنه المريض بالتوحد وده غير الجلسات والأدوية، وفيه بعض المدارس ترفض وجود مرافق تربوي، وقبل ثلاث سنوات أصدرت وزارة التربية والتعليم قرار الدمج رغم عدم وجود عدد محدد للأطفال المصابين بالتوحد في المدارس على مستوى الجمهورية وقررت الوزارة تدريس المواد الصعبة دون أن تكون مواد نجاح ورسوب كما سمحت بوجود مرافق في الامتحانات”.
مبادرة حكومية.. مركز لأطفال التوحد وأسرهم
أمام تردد عشرات الأسر على العيادة النفسية للأطفال التابعة لمستشفى العباسية في القاه، قرر عدد من الأطباء إنشاء مركز يقدم الخدمة بأسعار رمزية وبجهود ذاتية بالتنسيق مع الأمانة العامة للصحة النفسية توفيرًا على العائلات التي تعاني من انخفاض دخلها، وكانت البداية مبشرة بحسب تصريحات الدكتورة برسيس فكرى فاروق مديرة مركز الخدمة النهارية لأطفال التوحد التي أكدت أنه مقارنة بارتفاع أسعار المراكز الخاصة فى الخارج كان لابد من التخفيف على الأسر من خلال توفير أطباء وأخصائيين نفسيين يمكنهم تقديم الخدمات والتعامل مع الأطفال المصابين بالمرض وعائلاتهم وتقديم دورات التخاطب وتنمية المهارات والتعديل السلوكي كما تقدمها المراكز الخاصة، وذلك على مدار الأسبوع.
ودعت مديرة المركز الأطباء المتخصصين إلى المشاركة في تقديم الدعم للأطفال المحتاجين أو تدشين مراكز طبية أهلية بالتعاون مع الجمعيات الأهلية أو عبر تحصيل رسوم رمزية، مشيرة إلى أن هناك عجزًا في أعداد المتخصصين في هذا المجال في مصر.
مطالب بتدشين حملة للتعريف بالمرض
وتقول المهندسة ليلى الزامك، إنها أم لطفل يبلغ من العمر ثلاثة أعوام ويعاني من مرض التوحد، وتعبر عن استيائها من العقبات التي تواجه الأسر التي لديها أطفال مصابون بالمرض في ظل جهل المجتمع بهم وبظروفهم الصعبة، خصوصًا وأنه بحسب الأطباء فإن التشخيص المبكر يؤدي إلى تحقيق نتائج جيدة في رحلة العلاج.
وأبرزت حديثها “هناك الكثير من الآمال التي نعلقها على وزارة الشئون الاجتماعية في دعم الأسر الفقيرة التي منحها الله أطفال مصابين بالمرض فتكاليف الدراسة والعلاج شاقة، وحتى الجمعيات المهتمة بالمرض قليلة في ظل تراجع اهتمام دور وزارة الصحة”. وتابعت حديثها “هناك عشرات المراكز الشهيرة والتي تقدم خدماتها للمصابين بمرض التوحد، لكنها بتكاليف باهظة الثمن لا يقدر عليها معظم العائلات”.
وفي تصريح لها، كشفت الدكتورة مها عماد، مدير إدارة الأطفال بالأمانة العامة للصحة النفسية، عن أن نسبة انتشار مرض التوحد فى مصر تصل إلى 1% وأن عدد المرضى وصل أخيرًا إلى 800 ألف مريض.
وأكدت أن الأمانة تستقبل العديد من المرضى، وأنه لا يوجد سبب محدد للإصابة بالمرض، كما أن العلاج الأمثل هو التوعية بالمرض وكيفية التعامل مع المرضى، وأكدت على أن هناك تزايدا فى الحالات المكتشفة لمرضى التوحد خلال الفترة الأخيرة وذلك يعود إلى زيادة الوعي بالمرض والتأكد من أن أعراضه ليست مجرد تخلف عقلي، على حد قولها.
وشددت على ضرورة توحيد جهود جميع الهيئات الحكومية والجمعيات الأهلية لتقديم الخدمات الطبية للمرضى، وزيادة عدد المراكز التأهيلية في مختلف المحافظات.كما طالبت بضرورة توافر العلاج الخاص بهم، حيث إنه مكلف للغاية ولا يستطيع جميع أهالى المرضى توفيره.
“الصحة”: نعمل على التشخيص المبكر وتوفير مراكز علاجية
وأصدرت وزارة الصحة بيانًا في وقت سابق، أكدت خلاله أنها تقدم عددًا من الخدمات للأطفال المصابين بالتوحد من خلال برنامج الصحة النفسية بالتعاون مع الحكومة الفنلندية في محافظات القاهرة وحلوان وأسيوط وبورسعيد والإسكندرية والقليوبية.
وأوضحت أن هذه الخدمات تتمثل في توفير التشخيص المبكر والعلاج السلوكي ومنه العلاج باللعب الفردي والجماعي فضلا عن العلاج الدوائي على يد متخصصين من أطباء وأخصائيين نفسيين واجتماعيين، إلى جانب استحداث مركز علاج متخصص في طب نفس الأطفال بمستشفي العباسية للصحة النفسية وتم تصميمه علي يد خبراء دوليين في هذا المجال بحيث يحاكي المدرس لإعادة تأهيل الطفل المتوحد للتعامل مع اقرأنه في المراحل الدراسية، وكذلك تدشين المعهد العالي لدراسات الطفولة وهو معهد ملحق بجامعة عين شمس لتقديم خدمات التشخيص والعلاج الدوائي والتأهيل فضلا عن الحالات التي تعالج بمراكز القطاع الخاص والمراكزا لتابعة للجمعيات الأهلية.