بدأت المؤلفات التاريخية وغيرها بجهود مشتركة تتمثّل في حلقات، والدراسة مفتوحة لمن يريد، والرواية الشفهية كانت تُمثل الركيزة الأساسية في تداول ونقل العلوم والفنون والمعارف، ولا سيما الحديث النبوي الذي نال في هذا المجال عناية فائقة وضبطًا وإتقانًا ورواية ودراية وأخبارًا حول حوادث تاريخية متنوعة بواسطة رواة تناقلوها مشافهةً، وبمرور الزمن تكوّنت مدرسة في التاريخ والحديث والفقه، وأول مدرسة للتاريخ هي مدرسة المدينة (مدرسة المغازي)، وترتبط في نشأتها ووجهتها بجهود عدد من الفقهاء المحدثين.
وقد بدأت المؤلفات التاريخية بجهود كتّاب الجيل الأول وبجهودهم المشتركة، فكتابة السير والمغازي، شغلت معظم القرن الأول الهجري، وتعتمد على رجال المدينة من الكتابة، فالمدينة دار السنة عاش فيها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والصحابة ـ ورواها التابعون، فكانوا جديرين بكتابة السير والمغازي، ومنذ البداية تأثرت مناهج البحث التاريخي بمناهج علم الحديث في إسناد الرواية التاريخية، ثم نقدها على أساس التاريخ الشخصي للراوي، ولم يلبث هذا المنهج أن أثبت عدم جدواه وبدأ منهج جديد يجمع بين الاعتماد على الجدارة الأخلاقية للرواة ونقد نص الحديث نفسه من ناحية أخرى.
ويعتبر “عبد الله بن عباس” -رضي الله عنه- رائد مدرسة التاريخ بالمدينة المنورة إلا أنه لم يترك كتبًا؛ حيث كان التأليف ما زال غريبًا عن الدولة الإٍسلامية الناشئة، ولكنه ترك أقواله ومعلوماته مكتوبة لدى بعض مواليه وبعض تلاميذه، ويذكرون أنه كان لدى كريب بن أبي مسلم مولى ابن العباس حمل بعيرًا أو عدل بعيرًا من كتبه وأقواله المكتوبة، فكان على ابن العباس إذا أراد الكتاب كتب إليه ابعث إليَّ بصحيفة كذا، وكذا قال: فينسخها فيبعث إليه بإحداهما، وهذا لا يعني فقط بدء التدوين التاريخي في عهد مبكر منذ أواسط القرن الأول الهجري، وإنما يعني أيضًا أن ابن العباس ترك صحفًا لورثته بعد وفاته، وكانت من الكثرة بحيث يبلغ حجمها حمل بعير، وأما تلاميذه فكان لديهم بدورهم ما رووه عنه ومنهم: عروة بن الزبير، ومحمد بن كعب القرظي، ووهب بن منبه وسعيد بن جبير، وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب، وغيرهم، وعن هؤلاء أخذ الكثير ممن نعرف من الإخباريين أخبارهم.
