المقالات

منعاً لتكرار حادثة (باكو)

في مشهد مؤلم انتشر على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، ظهرت قوات الشرطة الأذربيجانية وهي تقود ثلاثة شبان سعوديين مُعتقلين في العاصمة باكو. جاء الاعتقال بعد اتهامهم بالإساءة لقبور شهداء البلاد الذين سقطوا في الحرب مع أرمينيا، في حادثة أثارت سؤالاً جوهرياً حول مسؤولية الفرد عندما يتحول تمثيله لبلاده في الخارج إلى عبء ثقيل.

تفاصيل الحادثة تشير إلى أن الشبان قاموا بحركات غير لائقة في “شارع الشهداء” في باكو، وهو موقع يضم رفات من سقطوا دفاعاً عن الوطن، وقاموا بتصوير أنفسهم ونشر المقاطع، مما أثار غضباً عارماً في الشارع الأذربيجاني. لم تتردد السلطات في تطبيق القانون، حيث فتحت تحقيقاً مع الموقوفين بتهمة إهانة القبور.

لكن المشهد لم يقف عند حدود تطبيق القانون. ما أثار الاستنكار أيضاً كان رد الفعل للبعض الشعبي الغاضب، حيث تعرض الشبان لتهجم وتنمر علني مُسيئ من قبل بعض افراد الشعب الأذري أثناء وجود الشبان السعوديين تحت حراسة الشرطة، مما حول العقاب القانوني إلى حالة من عقاب الإذلال العام .

وفي تحليل هذه الواقعة، يمكن تناول جانبين متلازمين في هذه القضية. الأول هو خطأ الشباب الفادح وغير المبرر. ففي عصر العولمة والانفتاح، لم يعد الجهل بقوانين وتقاليد الدول الأخرى عذراً مقبولاً، خاصة عندما يتعلق الأمر بمشاعر الشعوب ومقدساتها. فالتصرف لم يكن مجرد زلة عابرة، بل يعكس قصوراً كبيراً في الوعي الثقافي والمسؤولية الأخلاقية. والأمر الأكثر إيلاماً أن مثل هذه الأخطاء في الخارج لا تبقى حبيسة أصحابها، بل تُسقط تبعاتها على صورة الوطن بأكمله، لتشوه سمعته وتُهدر جهوده الدبلوماسية والثقافية.

الجانب الثاني هو رد الفعل. فمن الحق المطلق لأذربيجان، كدولة ذات سيادة، أن تطبق قوانينها بصرامة على كل من يتعدى على رموزها الوطنية أو يسيء لشهدائها. وتصرف الشرطة كان إجراءً قانونياً متوقعاً. غير أن عقاب الإذلال العلني والتهجم والتنمر الذي تعرض له الشباب من قبل بعض الأفراد يمثل تجاوزاً لا يقبله القانون ولا الأخلاق على الحقوق الإنسانية. والعدالة الحقيقية تقتضي معاقبة المخطئ ضمن الأطر النظامية، وليس تحويله إلى وسيلة للتفريغ الغرائزي. ومن المنطقي والحق المطالبة بتطبيق القانون أيضاً على من تجاوز بحق المعتقلين من بعض افراد الشعب الاذري الظاهرة صورهم في الفيديوهات، لتحقيق التوازن والمساواة للقانون الاذربيجاني.

ومن الحكمة أيضاً أن لا تكمن قيمة هذه الحادثة المؤسفة في التبرير وتبادل الاتهامات، بل في استخلاص الدروس والعبر. فهي جرس إنذار قوي لكل مسافر بأن حريته الشخصية تنتهي حيث تبدأ مشاعر وحقوق الآخرين. وهي تذكير بأن العدالة يجب أن تكون شاملة وعادلة.

ومن هنا، تبرز مسؤولية جماعية. لتقديم اعتذار إعلامي للحكومة والشعب الأذربيجاني، وشرح أن هذه التصرفات الشاذة لا تعبر عن قيم السعودية أو شعبها. كما أنه من المُستحسن أن نُحول هذه الحادثة إلى فرصة لتعزيز الحوار الثقافي بين البلدين، عبر تبادل ثقافي يزيل سوء الفهم.

والأهم من ذلك، هو العمل على منع تكرار الحوادث. من خلال تعزيز برامج توعوية إلزامية للمسافرين، خاصة الشباب، تركز على قوانين وعادات الدول الوجهة، مع إبراز الحساسيات الثقافية والتاريخية. وغرس قيم المسؤولية والوعي بالهوية الوطنية في المناهج التربوية وفي الخطاب الاجتماعي.

في الختام، يمكن تحويل هذا الموقف المحرج إلى جسر للتفاهم المتبادل، وضمان أن يكون كل مسافر سعودي سفيراً مشرفاً لبلاده، يحمل قيمها ولا يسيء إليها. ودام عز الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى