المقالات

تقاعد الأكاديمي.. إعادة نظر

في مقالٍ سابقٍ لي عن سنّ التقاعد الأكاديميّ، تحدّثت عن أهمية استبقاء أعضاء هيئة التدريس، وأعود مجدّدًا لأناقش موضوعًا في غاية الأهمية، هو سنّ التقاعد للأكاديميّ في الجامعات السعوديّة عندما يصل إلى سنّ (58) عامًا. وفي رغبة مني سأسلّط الضوءَ على الممارسات العالميّة لبعض الجامعات الأعلى في تصنيف الـ QS إن كان لدى أيّ منها تقاعد إلزامي، وبعد الاطّلاع تبيّن لي أنّ معظمها لم يكن كذلك، وهذا يعني أنّ ّعددًا من الجامعات التي ليس لديها تقاعد إلزامي، قد أُدرجت في القائمة، أكثر من تلك التي اعتمدت التقاعد القسريّ.
وقد تمت مراجعة سياسات التقاعد في الجامعات الآتية: أمريكا الجنوبية، المكسيك، الصين، كوريا، سنغافورة، هونج كونج. وتبيّن أنها لا تستطيع تغيير سنّ التّقاعد، حتى لو أرادت ذلك.
بينما نجد أنّ السنّ الإلزاميّ للتقاعد في جامعات بعض الدول الآسيويّة الأخرى أعلى بكثير، حيث يبلغ متوسطه (65) عامًا. وهذا يعني أنّ أعضاء هيئة التدريس الجامعيين خارج المملكة العربيّة السعوديّة، يمكنهم العمل مدة (7) سنوات زيادةً عن الأكاديميين فيها، في الوقت الذي تكون فيه حياتهم المهنية راسخة حيث يقدّمون مساهمات مهمّة، ولديهم القدرة على الاستمرار في القيام بذلك لما يقرب من عقد من الزمن؛ لذا سيكون لرفع سن التقاعد الجامعيّ في المملكة العربيّة السعوديّة إلى (65) عامًا -سواء كان إلزاميًا أو لا- أهمية كبرى مبشّرة بالخير لوجود الجامعات في قائمةQS TOP-100.
وبالمقارنة مع الجامعات في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا)، والمملكة المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا، نجد أنّ القانون يحظر فرض التقاعد على أساس العمر، إذ متوسط سنّ التقاعد في بعضها هو (65) عامًا، فهو يتراوح بين (60) و(70) عامًا. وبالتالي فهو أعلى بكثير (7) سنوات، فإذا ما قرّرت الجامعات السعوديّة عدم الإبقاء على التقاعد الإلزاميّ، فستكون نموذجًا للمؤسّسات الأخرى.
ومن وجهة نظري فإنّ الالتزام بهذا الوضع الراهن – التقاعد الإلزامي- لا يساعد الجامعات على مواجهة ومعالجة هجرة الأدمغة والجهود المبذولة لتحقيق التميّز والاعتراف العالميّ. إذ من المهم جدًا لهذه الجامعات أن تتمسّك بعضو هيئة التدريس الأكاديمي، وأن توفّر خياراتٍ بديلةً للتقاعد، لتحافظ على المواهب والثروات الوطنيّة مع إعداد برامجَ تهدف الى الاحتفاظ بالعلماء الراسخين عند الرغبة، وتوفير موارد ماليّة ملاءمة.
من هنا يمكن للجامعات السعوديّة أن تقتفي أثر أفضل الممارسات في أفضل (100) جامعة في QS والتي لا يمكنها أن تختار عدم فرض التقاعد الإلزامي؛ لأنّ التكلفة المالية للحفاظ على المواهب الوطنيّة المتمثلة في الأكاديميين والمهنيين ذوي الخبرة، ستكون أقلّ بكثير من تكلفة استقطاب أعضاء جدد وتدريبهم، إذ لا يمكن التغافل عمّا يتمتّع به كبار أعضاء هيئة التدريس من خبرات على كافّة الأصعدة، وغالبًا ما تكون هذه الفئة عنصرَ جذب لتمويل مشاريع حديثة، فنجدها تمارس القيادة ًفي مؤسسات تخطّط لسياسات ومبادرات مجتمعيّة صناعيّة أو حكوميّة.
أمّا من منظور نموذج الأعمال، فمن المنطقيّ أن ترغب الجامعات في تحقيق التوازن بين سيناريو التوظيف الحديث للخرّيجين كأعضاء هيئة تدريس جدد، وبين مَنْ هم على وشك التقاعد. وقد يكون من المناسب اقتراح مسارات للتقاعد التدريجيّ من العمل الأكاديميّ التي يمكن للجامعات السعوديّة مراعاتها إذا كان سنّ التقاعد إلزاميًا، وتكون مبنيّة على نماذجَ عالميةٍ أوجزها في التالي:
أولا: حوافز التقاعد المبكر: يستفيد أعضاء هيئة التدريس من التقاعد، أو يطلبون الموافقة عليه بعد بلوغ سن (55-60) ولكنّ المتقاعدين قبل سنّ التقاعد الطبيعي -65 عامًا- عندما يتركون الجامعة (ربما كأستاذ فخري)، فإنّهم يميلون إلى الحصول على راتب مخفّض حتى يصلوا إلى سنّ التقاعد الطبيعيّ، ثمّ يتحوّلون بعد ذلك إلى خطّة التقاعد النهائيّ.
ثانيا: عقود محدّدة المدة لأعضاء هيئة التدريس قبل التقاعد، وللرّاغبين في التوقيع على التزامٍ بتاريخ تقاعد محدّد (ثابت) وبدوام كامل، مدّته ثلاث سنوات، ثمّ يلزمون بالتقاعد في التاريخ المحدّد مسبقًا، وهذا أمر شائع في أستراليا.
ثالثا: التقاعد المرن/المرحلي – المبني على تقليل ساعات العمل، والرواتب، وتقليص الأبحاث، والتدريس، والخدمة للتحوّل التدريجي قبل التقاعد الكامل، وهي عادةً فترة انتقاليّة مدّتها من ثلاث إلى خمس سنوات.
رابعاً: التقاعد الجزئي –وهو تقاعد تدريجيّ من خلال العمل بدوام جزئي مدة أقصاها ثلاث سنوات، ثمّ التقاعد مع ضمان المعاش التقاعديّ الكامل.
خامساً: التقاعد المؤجّل المبنيّ على اختيار العمل بعد سنّ التقاعد الطبيعيّ -عادةً أكبر من (65) عامًا- ولكن يجب تقديم إشعار قبل عام عندما ينوي عضو هيئة التدريس التقاعد النهائي.
ومن الخيارات المتاحة للجامعات في سنغافورة، إعادةُ التوظيف؛ إذ تحدّد الجامعات سنّ التقاعد الإلزامي عند (63) عاماً، ولكن يتعيّن عليها أن تقدّم لعضو هيئة التدريس فرصةً للعمل حتى سن (68) عاماً، إذا استوفى معايير محدّدة.
خلاصة القول إنّ عضو هيئة التّدريس الذي قضى سنواتٍ طويلةً في الدّراسات العليا، والبحث، وتقصّي العلم، وكتابة الأبحاث، والتدريس يستحقُّ أن نقدّم له أفضل دعم للحفاظ عليه كأحد روافد الثروة الوطنيّة إن اضطرّ للتقاعد، فيقدَّم له السّكن، والعلاج، ويُسمح له الاستفادة من المكتبة المركزية مدى الحياة؛ لأنّه ينتمي إليها، إذ عاش في أروقتها طالبًا وأستاذا، أبًا وصديقًا، وسيبقى وفيًا مخلصًا مادام الدمُ يجري في عروقه.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أتفق وأشد على كلامك يادكتور👌🏻
    فوجئت في جامعة الملك عبدالعزيز مثلا بجدة جاري البروفيسور الكندي الإيطالي الذي خدم ٧ سنوات بكل مهنية تحت بند شركة مشغلة في معهد اللغة الإنجليزية بالجامعة وعمره الآن ٦٣ عام يفاجئ بخطاب نهاء خدمة وتعيين دكاترة من الجنسية المصرية والباكستانية بمحله!! وعمرهم صغير!! يا ترى صاحب القرار نظر في نتائج المخرجات؟! وهل أخذ بالإعتبار الناطق باللغة الأم؟! أم هناك أسباب أخرى؟؟ هيئة تقويم التعليم عليها التدخل والنظر وقياس مؤشرات مايحدث في الجامعات .🤝🏻

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com