حين نكتب عن الأستاذ الدكتور بكري بن معتوق عساس، فإننا لا نكتب عن منصب، ولا عن سيرة مهنية فحسب، بل عن حكاية رجل اجتمعت فيه صفات قلّ أن تجتمع في غيره: وفاء الابن البار، وعلم العالم الراسخ، وقيادة الإداري المتزن، وتواضع الإنسان الأصيل.
“لم يمرّ عليّ يوم وأنا رئيس لجامعة أم القرى، إلا وكنت أبدأه بزيارة والدتي قبل التوجه إلى مكتبي…”
هكذا يتجلى الوفاء في أجمل صوره… رجل في قمة المسؤولية يبدأ يومه بتقبيل يد والدته، متبركًا بدعائها، عارفًا بفضلها، مستمدًا منها القوة والدعاء مشهد بسيط في ظاهره، لكنه عظيم في أثره؛ ذلك أن من يبدأ يومه بدعاء أم، ورضا قلب، ودفء أسرة، لا بد أن يُبارك الله في قراراته وخطاه.
وفي لفتة أخرى تدل على أدبه الجم وتواضعه البالغ، تحدث الدكتور بكري عن من يعملون تحت إدارته من الأساتذة والمفكرين والإداريين قائلاً: “كثير منهم أعلى مني في الدرجة العلمية والعطاء”، لكنه كان يقودهم لا من موقع سلطة، بل من مقام احترام وتقدير، مؤمنًا أن القيادة الحقيقية هي فن الإصغاء والتقدير قبل إصدار الأوامر.
لكنّ جوانب العظمة في هذا الرجل لا تتوقف هنا.
العالم المنتج الذي لا يكلّ
رغم انشغالاته الإدارية الجسيمة، فإن للدكتور بكري مؤلفات علمية رصينة، ومقالات بحثية منشورة، ومشاركات فكرية لم تنقطع. وكنتُ أتساءل دائمًا: متى يجد هذا الرجل الوقت للتأليف؟! لكن حين تتأمل في شخصيته، تدرك أن البركة في الوقت رزق لمن نوى به خدمة العلم والدين.
ومن مؤلفاته الرصينة:
• “معاد”: تأملات في مكة المكرمة، روحًا وتاريخًا.
• “إلا أن يشاء الله”: سيرة ذاتية ملهمة.
• “أعلام في حديث الذاكرة”: تجارب وشهادات عن شخصيات أثّرت فيه.
• “سنوات الدال”: ذكريات دراسته في بريطانيا.
• “جامعة أم القرى.. مواقف وذكريات”: تأريخ إنساني وإداري لواحدة من أعرق الجامعات.
• “مدرسة الأمثال المكية”: رصد للأمثال الشعبية والحكمة الحجازية.
• كما له مؤلفات قيد الطبع، منها:
“الجامعات العظيمة”، و“خواطر في العلم والتنمية”.
لا يكاد ضيف كبير يزور المملكة إلا وتجد اسم الدكتور بكري في طليعة مستقبليه، حريصًا على جمع الكلمة، وتكريم الوفود، ونلت من هذه المجالس نصيبًا مشرفًا وذكرًا طيبًا، يبقى من ابن مكة المكرمة.
من مكة إلى بريطانيا… ومن الهوسا إلى العالم
من المواقف التي لا أنساها: مشاركته في إفطار رمضان للمسلمين الجدد في بريطانيا، حيث ألقى كلمة مؤثرة بالإنجليزية، رحّب فيها بالحضور، وذكّرهم بأيام دراسته هناك، ودعا لهم بصدق قلب أهل مكة. لقد سحر القلوب بلغة عالِم ومربي، وأب حنون.
وما لا يعرفه كثيرون أن هذا الرجل الفاضل يتقن لغة الهوسا، تلك اللغة التي يتحدث بها ملايين المسلمين في غرب إفريقيا. لم يتعلمها لهواً، بل لخدمة الدعوة وتعزيز العلاقة مع الطلاب الوافدين الذين يراهم دائمًا – كما يردد – “القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية”.
تحية عرفان من الطلاب الوافدين
باسمي، ونيابةً عن كل طالب وافد تتلمذ أو درس في المملكة، لا سيما في جامعة أم القرى، أرفع شكرًا من أعماق القلب لمعالي الأستاذ الدكتور بكري عساس. لقد كنتم دومًا نموذجًا للأب الراعي، والمعلم الصادق، والإداري المحب.
في زمن تطغى فيه الألقاب، بقيتم أنتم قيمة وقامة فريدة، قلّ أن يُرى لها مثيل في حب الوطن، والولاء للقيادة، والوفاء للناس.
اللهم احفظه وبارك في علمه، ووفّقه في كل خطوة، واجعل ما قدمه للإسلام والعلم في موازين حسناته.
