يُعد موسم الحج حدثًا عالميًا فريدًا من نوعه، لا من حيث عدد المشاركين فقط، بل من حيث الزخم الروحي والتنظيمي والإعلامي الذي يواكبه. وفي حج هذا العام 1446هـ، الذي نجح ولله الحمد نجاحا باهرا ومميزا ، برز دور الإعلام السعودي بشكل استثنائي، عكس صورة مشرقة لما تبذله المملكة العربية السعودية من جهود جبارة وعظيمة في خدمة ضيوف الرحمن، ونقل مشاعرهم وتجاربهم إلى العالم بأسره. نجح الإعلام بالفعل في حج هذا العام في تحقيق تغطية شاملة إحترافية ولحظية، بفضل الإمكانات التقنية المتطورة التي سخرتها وزارة الإعلام وهيئة الإذاعة والتلفزيون و وكالة الأنباءالسعودية “واس”، بالتعاون مع مختلف وسائل الإعلام المحلية والخليجية والعربية والإسلامية والدولية. فتم نقل الصلوات والمناسك من الحرم المكي والمشاعر المقدسة في بث حي متواصل على مدار الساعة ، شكّل حلقة وصل بين الحاج وأهله، وبين المسلمين في كل بقاع الأرض وروحانية المشهد.
لم يقتصر الدور الإعلامي على التغطية الخبرية، بل تجاوز ذلك إلى التوجيه والإرشاد، من خلال الحملات التوعوية التي بثتها القنوات والمنصات، والتي ساهمت في تثقيف الحجاج بآداب المناسك وسلوكيات التنظيم. كما وفّر الإعلام الرقمي ايضا عبر التطبيقات والرسائل النصية والإعلانات المرئية أدوات تفاعلية ساعدت في تسهيل حركة الحجاج وزيادة وعيهم. فالتغطية الإعلامية للحج شهدت تطورًا نوعيًا خلال السنوات الأخيرة، انتقلت فيه من النمط التقليدي إلى الرقمي التفاعلي. فقد مكّنت المنصات الرقمية من الوصول إلى جمهور أوسع، وتقديم محتوى حي ومتجدد، بلغات متعددة. وتكاملت جهود وسائل الإعلام الرسمية مع البث المباشر على منصات التواصل، في مشهد يعكس تطورًا ملحوظًا في استراتيجية الاتصال الحكومي.
لقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي منصات ميدانية تكمّل التغطية الإعلامية، عبر ما ينشره الحجاج بأنفسهم من صور ومقاطع وشهادات حية. هذه الصحافة غير الرسمية أضافت بعدًا إنسانيًا وشخصيًا للحدث، لكنها تتطلب وعيًا مهنيًا بالتحقق من المعلومات، وتجنّب تضخيم التفاصيل أو نشر محتوى يفتقر للدقة أو الخصوصية. ففي مواسم كبيرة كموسم الحج، تتزايد فرص انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة، مما يجعل من الإعلام المهني حصنًا منيعًا أمام هذه الممارسات. وقد برهنت المؤسسات الإعلامية السعودية على قدرتها في مواجهة هذه التحديات، عبر رصد المحتوى الزائف، وتفنيده بالمعلومة الدقيقة، والاعتماد على المتحدثين الرسميين والمصادر الموثوقة، مما عزز من مصداقية الرسالة الإعلامية.
ختامًا ، اقول مؤكدا بأن النجاح الإعلامي في موسم حج هذا العام ليس صدفة، بل هو ثمرة تخطيط دقيق وتكامل بين مختلف القطاعات، يعكس تطور المشهد الإعلامي السعودي، وقدرته على مواكبة الأحداث الكبرى. ومع استمرار المملكة في ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للخدمة الإعلامية للحرمين الشريفين، فإن العالم سيبقى على موعد مع تغطيات إعلامية أكثر احترافية وابتكارًا في مواسم الحج القادمة. وكل عام وانتم بخير.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود