تمثل الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة أحد أبرز الإنجازات الحضارية للمملكة العربية السعودية، وواحدة من أهم أدواتها الناعمة لخدمة العالم الإسلامي. تأسست الجامعة عام 1381هـ (1961م) بموجب أمر ملكي من الملك سعود بن عبد العزيز – رحمه الله – لتكون منارة علمية تشع نور المعرفة، وتغرس قيم الوسطية والاعتدال في أبناء الأمة الإسلامية. على مدار ستة عقود، حققت الجامعة إنجازات كبيرة جعلتها صرحًا عالميًا بارزًا.
رسالة الجامعة ورؤيتها
منذ تأسيسها، حملت الجامعة رسالة سامية تمثلت في نشر تعاليم الإسلام الصحيحة، وتأهيل قادة يجمعون بين العلم الشرعي والمهارات الحديثة، قادرين على خدمة مجتمعاتهم بوعي وعزم. ارتكزت رؤيتها على أن تكون مركزًا عالميًا متميزًا للتعليم الإسلامي، مع تعزيز العلوم الحديثة بما يخدم قضايا الأمة الإسلامية.
البداية والنمو
بدأت الجامعة الإسلامية بكليتين فقط، هما كلية الشريعة وكلية الدعوة وأصول الدين، لكنها سرعان ما توسعت لتضم اليوم تسع كليات متخصصة تشمل مجالات متنوعة مثل كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، كلية الحديث الشريف، وكلية العلوم. كما أدخلت الجامعة تخصصات حديثة مثل كلية الهندسة، مما يعكس توجهها نحو التعليم الشمولي الذي يواكب العصر.
عمادة الخريجين وجائزة الرواد
من أبرز ما يميز الجامعة الإسلامية مبادراتها الفريدة، مثل عمادة الخريجين التي أُنشئت لتعزيز الروابط مع خريجي الجامعة المنتشرين في أنحاء العالم. تهدف الكلية إلى تقديم الدعم المستمر للخريجين، ومساعدتهم على تطوير مهاراتهم، وتعزيز دورهم في خدمة مجتمعاتهم.
كما أطلقت الجامعة جائزة الرواد لتكريم الشخصيات البارزة من خريجيها الذين حققوا إنجازات متميزة، سواء على الصعيد الدعوي أو العلمي أو القيادي، في دولهم. الجائزة تعد وسام تقدير يُبرز دور الجامعة كبيئة محفزة على التميز.
الجامعة كقوة ناعمة للمملكة
على مدار 60 عامًا، أثبتت الجامعة الإسلامية أنها ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل أداة فعالة تعكس قيم المملكة ورؤيتها في خدمة الإسلام والمسلمين. لعبت الجامعة دورًا محوريًا في إعداد قادة ومؤثرين في مجتمعاتهم، فمن خريجيها رؤساء دول، مثل مأمون عبد القيوم، الرئيس السابق لجزر المالديف، ووزراء وشخصيات بارزة أثرت في المشهد العلمي والدعوي في بلدانهم.
إلى جانب ذلك، أسهمت الجامعة في تعزيز قيم الوسطية والاعتدال بين آلاف الطلاب من أكثر من 170 دولة، مما جعلها جسراً ثقافياً يعزز الروابط بين المملكة والعالم الإسلامي.
بالأرقام: إنجازات الجامعة الإسلامية
• عدد الخريجين: أكثر من 70 ألف خريج يمثلون 170 جنسية.
• عدد الطلاب الحاليين: حوالي 20 ألف طالب من شتى بقاع العالم.
• المكتبة المركزية: تضم أكثر من مليون كتاب، ما يجعلها من أكبر المكتبات الإسلامية.
• البحوث العلمية: أنتجت الجامعة آلاف الأبحاث التي تناولت قضايا شرعية وعلمية معاصرة.
• الشراكات الدولية: أقامت الجامعة شراكات علمية وبحثية مع جامعات ومؤسسات دولية مرموقة.
التحول الرقمي والتطوير المستقبلي
تواكب الجامعة الإسلامية التحولات الرقمية من خلال تقديم برامج تعليمية إلكترونية، ما يتيح للطلاب من مختلف دول العالم الحصول على تعليم شرعي متميز. كما تعمل على تطوير برامج الدراسات العليا في مختلف التخصصات الشرعية والعلمية، مما يجعلها مقصدًا عالميًا للباحثين وطلاب العلم.
شهادة أحد أبنائها
كخريج للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1997، أشعر بالفخر بالانتماء إلى هذا الصرح العلمي. كانت الجامعة نافذة إلى العالم، حيث تعلمت فيها قيم الإسلام الحقيقية، والتقيت زملاء من مختلف الثقافات، مما عمق فهمي لمسؤولية الدعوة والعمل لخدمة المجتمع. الجامعة كانت، وما زالت، تعكس دور المملكة في دعم التعليم وتطوير الإنسان ليكون ركيزة بناء مجتمعه.
ختامًا: إرث مستمر وعطاء بلا حدود
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي نموذج عملي لرسالة المملكة في دعم الأمة الإسلامية. ستظل الجامعة على مدار العقود القادمة منارة علمية تسهم في إعداد أجيال قادرة على مواجهة التحديات، وتعزيز قيم الوسطية، وخدمة العالم الإسلامي بعطاء لا ينضب.
د.فايد محمد سعيد رئيس اللجنة الشرعية في المجلس الأوروبي للهيئات والمراكز والقيادات الإسلامية