وداعًا جرمان بن بتعان

افتقدت قبيلة آل زيدان من بني شهر صباح يوم الخميس السادس عشر من رجب 1446 للهجرة رجلاً عظيماً من كبار الرجال الحكماء، ومن بيت عز وكرم ومشيخة، إنه خالي وسميي الغالي، جرمان بن محمد بن بتعان. لقد تميز ذلك الرجل العظيم – يرحمه الله – بالكثير من الصفات الإنسانية الحميدة، والعديد من الخصال الاجتماعية النبيلة، هذا فضلاً عن تميزه بالحكمة والرشد والوعي الذاتي والمسؤولية الاجتماعية.

كان له كثير من المهام على مستوى قرية الريامة وقبيلة آل زيدان والقبيلة الأكبر بني شهر، فبالإضافة إلى كونه نائباً لقريته الصغيرة لمدة تجاوزت عشرين عاماً، فهو أيضاً معلماً تربوياً ناجحاً وقيادياً بارعاً لأكثر من عشرين عاماً في مجال التعليم. كان أسلوبه التعليمي مزيجاً من المهنية العلمية والمسؤولية التربوية داخل وخارج المدرسة، لديه منهج تربوي تعليمي رسمي داخل حدود أسوار المدرسة، ومنهج آخر خارج المدرسة لتعليم طلابه “المرجلة” والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، من خلال التوجيه والنصح والإرشاد بما يفيد التلاميذ في حياتهم، ويصقل مهاراتهم ويطور ذواتهم.

كان تلاميذه يدعونه في المدرسة “الأستاذ جرمان”، وخارج أوقات الدراسة “العم جرمان”، مما أدى إلى تعميق أواصر العلاقة، وتنمية روح المحبة والترابط والتقدير والاحترام بين المعلم وطلابه. جميع من تعلم في مدرسته يشيد بأسلوبه وطريقته، ويذكره بالخير والفخر والاعتزاز. لم ينهر أو يعنف طالباً طوال خدمته التعليمية التي قضاها في مدرسة آل زيدان الابتدائية والمتوسطة بقرية الريامة.

وعلى مستوى مسؤوليته الاجتماعية كنائب للقرية، كان هو حلقة الوصل بين أفراد القرية وشيخ القبيلة في حل المشاكل والإصلاح بين الناس، وكان ممثلاً لشيخ القبيلة في كثير من المهام التي تتطلب مراجعة الدوائر الرسمية بمحافظة النماص. كان يتصدى للخلافات ويقوم بإصلاح ذات البين بين المتخاصمين قبل أن تستدعي الخلافات مراجعة الشرطة أو الإمارة. منزله كان مفتوحاً للقريب والبعيد ولكل من يقصد القرية من الضيوف والغرباء. لم يكن مضيافاً لضيوفه الخاصين فقط، بل كان مضيافاً لجميع ضيوف أهل القرية. تجاوز صيته الآفاق ولمعت سمعته بين القبائل في منطقة الجنوب.

كان يتمتع بكاريزما مؤثرة وأسلوب مقنع لأي شخص أو أشخاص يقصدونه، له قبول رباني مميز في قلوب الناس، فالكل يثق فيه وفي عدله وحكمته وسمو أخلاقه. كان لا يتردد في مساعدة المحتاجين والضعفاء واليتامى. ارتبط بالجامع الكبير لقريته إماماً وخطيباً لجامع الريامة في صلاة الجمعة وفي صلوات الأعياد والاستسقاء على مدار عقدين من الزمن. له بصماته الخيرة لجميع أفراد المجتمع رجالاً ونساءً، سيرته عطرة، الكل يشهد بها حقاً واقعاً وليست مجاملة أو تزلفاً.

على المستوى الخاص بالنسبة لنا كأبناء شقيقته، كان في مقام والدنا وينوب عنه في غيابه، بحكم عمل والدنا العسكري – رحمه الله – الذي كان بعيداً عن قريتنا وفي أطراف الوطن الحبيب في خفر السواحل، متنقلاً في منطقة حقل وما حولها. لم نشعر بغياب والدنا – رحمه الله – لكون خالنا جرمان متواجداً معنا دائماً. له الفضل بعد الله في توجيهنا ودعمنا ومساعدتنا وقضاء حوائجنا والقيام برعايتنا، والوقوف دائماً إلى جانب شقيقته والدتنا – يرحمها الله – في جميع ما يصادفها من ظروف وإشكاليات الحياة. كان نعم الخال والسند في السراء والضراء، فله منا جميعاً الدعاء بالرحمة والغفران والفوز بالجنة على ما قدمه للجميع من أعمال صالحة وسيرة عطرة وتأريخ مشرف، يشهد له كل من يعرفه وتعامل معه.

وأدعو الله جل وعلا أن يجعل البركة في أبنائه، وأن يكونوا خير خلف لخير سلف، يسيرون على درب والدهم العظيم ويقتفون أثره، فهو مفخرة لهم وقدوة حسنة، وتاج على رؤوسهم، ونبراس أضاء لهم دروب الحياة.

رحم الله فقيدنا وخالنا الحبيب جرمان بن محمد بن بتعان، وتغمده بواسع رحمته وغفرانه.
إنا لله وإنا إليه راجعون.