لقد بات معلومًا أن الدماغ البشري يتكوَّن من عدد من الفصوص والأجزاء وأن لكل جزء وظيفة تميزه عن بقية الأجزاء وأن الفص الجبهي هو الجزء المسؤول عن الإرادة العقلانية والتفكير العقلاني المنضبط ……
لذلك فإن البعض حين يغضب يبدو وكأنه قد فقَد عقله حيث يكون عاجزًا عن ضبط نفسه ومثلما يؤكد علماء الدماغ فإن الفرد في حالة التوتر يفقد السيطرة على نفسه تقول البروفيسورة كيلي ماكجو نيجال في كتابها (قوة الإرادة) : (( الفص الجبهي العقلاني المتأني يتم إسكاته))
وتضيف بأنه حين يكون الشخص مرتبكًا أو خائفًا أو شديد التوتررفإن:
((جهاز الانذار في الدماغ يُعَطِّل عمل الفص الجبهي)) حيث يتم توجيه طاقة الدماغ كلها باتجاه الموقف الذي سبب التوتر ……
ليس هذا فقط بل علينا أن ندرك هشاشة الأساس الذي قام عليه العقل الفردي؛ فالعقل الفردي نتاجٌ اجتماعيٌّ ثقافيٌّ فبواسطة البيئة الاجتماعية والتكامل بين حواس الفرد ودماغه يتكوَّن له بنية ذهنية قاعدية مستمدة تلقائيا من البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها ولأن المجتمع يتكون من أفراد فإن كل جيل لاحق يرث بشكل حتمي تلقائي الثقافةَ من كل جيل سابق فتتعاقب الأجيال ثقافيا تعاقبًا حتميا تلقائيا وينتج عن هذا التعاقب الحتمي التلقائي استدامة الانساق الثقافية خلال تعاقب القرون فالأمم تتوارث أنساقها الثقافية فتستمر متعارضة القيم والرؤى والمواقف وبسبب هذا التعارض في الأنساق الثقافية المتوارثة استمرت النزاعات والحروب ……
إن النسق الثقافي يعني اللغة واللهجة والتاريخ والمعايير الاجتماعية والتصورات والتقاليد والقيم وأنواع الاهتمام …..
إن كل مولود يتطبَّع تلقائيا بالبيئة التي ينشأ فيها فلو تم عزل أي مولود عن البيئة الاجتماعية فإنه لن يكتسب لغةً ولا لهجةً ولن يتكون له عقلٌ فالعقل نتاجٌ اجتماعي ثقافي أما الإرادة الفردية فتتكوَّن بالعيش في مجتمع فالشخص يتعلم الالتزام بمعايير المجتمع والكف عما يعاب كما يتعلم تكوين علاقات اجتماعية مع الآخرين فيكتسب من قوة الإرادة ما يتناسب مع التزامه بالمعايير الاجتماعية السائدة كما أن كل شخص يكتسب خصائص تختلف كثيرا أو قليلا عن خصائص الآخرين …..
إن الفرد لا يولد بعقل جاهز وإنما يولد بقابليات فارغة تتشكل بما في البيئة الاجتماعية كما أنه لا يولد بإرادة وإنما تتكوَّن إرادة الأفراد من تفاعلهم مع البيئة وتختلف قوة الإرادة في الأفراد حسب اختلاف قابلياتهم ………

0