من يملك البيان يتحكم في العنان. فالبيان الأخاذ الجميل ليس فقط كلام يعجب من في المكان أو من وراء الشاشات ليشنف الأذان. بل أنه في كثير من الأحيان مفتاح لحلول عصية وقلوب سوداء وعقول مغلقة. وكثير ما ظلت مقولات وخطابات أيقونة وعناوين تتداولها الشعوب والأجيال وخلدت في التاريخ رغم مرور مئات السنين. وعادة ما تختار الدول وزراء خارجيتها والمتحدثين بإسمها إضافة لمقدرتهم الفكرية أيضا ممن يملكون حسن الخطاب سواء باختيار الكلمات أو الفكرة أو براعة الإلقاء. وليس بالضرورة أن يكون ذلك في محافل عامة كالأمم المتحدة مثلاً لكن في الغالب في الغرف المغلقة. فإلإقناع يحتاج براعة المتحدث وفهم سياسي وثقافي وحرية طرح رشيدة في تناول ذلك. وقد جاء مدح البيان في أقوال كثيرة علي رأسها ما جاء عن النبي محمد عليه السلام. عندما قال أن من البيان لسحرا. وأثيرت تساؤلات هل كان ذلك ذماً أم مدحاً وأستقر رأي أهل العلم علي انه في الحق محمود ومطلوب. وفي الباطل مذموم .. والبيان الجميل ليس فقط في الخطب أو الدفاع عن الحق بل هو أيضا يسحر الألباب عندما يكون في الشعر والكتابة النثرية. وقد أمتدح الكثير من الشعراء البيان وطلاوة اللسان .أيضا حذروا من سؤ استخدام الكلمة سواء بذاتها أو بالموقع الغير مناسب. ”فرب كلمة قالت لصاحبها دعني”. يقول الشاعر الخبز أرزي :-
لسان الفتى حتف الفتى حين يجهلُ.
وكلُّ إمرئٍ ما بين فكَّيه مقتلُ.
إذا ما لسان المرءِ أكثر هذره
فذاك لسان بالبلاء موكَّلُ
وهناك أيضا مقولات كان لها الوقع والأثر الكبير فهي كلمات قلت ولكن دلت. فعبارة… «فيني فيدي فيتشي» عبارة لاتينية شهيرة معناها «أتيتُ، فرأيتُ، فأنتصرتُ» أطلقها الإمبراطور يوليوس قيصر في إحدى حروبه الشهيرة. . وصارت بعدها جملة أدبية شهيرة مستعملة بكثرة في مختلف الكتب والخطب وأتخذتها بعض الشركات شعاراً لها. وأيضا هناك مقولات مشهورة لتشي جفارا الثائر الكولمبي منها: إذا أردت تحرير وطن، ضع في مسدسك عشر رصاصات؛ تسع رصاصات لخونة الوطن، وواحدة لعدوك، فلولا خونة الداخل ما تجرأ عدو الخارج على وطنك” وهو صاحب اقصر خطاب في التاريخ. عندما قال لكل العالم وبالذات المعسكر الإشتراكي بقيادة الإتحاد السوفيتي .. حين اختصر كل ما يجول في عقل وقلب كل مواطن كولمبي. فقال علي منبر الأمم المتحدة. الوطن أو الموت. كلمتان فقط تعني الوطن دونه الرقاب. وقبل أن اختم بطرفة. رواها ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا. الأسبق اروي جانباً من سيرته.فقد كان زعيماً فداً متنوع الكفاءات والقدرات ألّف العديد من الكتب، ذكر فيها تجاربه التي شهدها في حملاته وحروبه. وفي سنوات حياته الأولى كان ضابطًا بالجيش البريطاني، ومؤرخًا، وكاتبًاً، بل وفنانًا، وتشرشل هو رئيس الوزراء الوحيد الذي تحصل على جائزة نوبل في الأدب،. وفي إستطلاع أجري عام 2002 وصف تشرشل بأنه اعظم بريطاني علي مر العصور. وفي الأيام الشرسة الأولى من الحرب العالمية الثانية، عندما وجدت بريطانيا نفسها وحيدة في مواجهتها لهتلر. أثار تشرشل حماس الشعب البريطاني من خلال خطاباته الحماسية والبرامج الإذاعية؛ وكان دوره عاملاً مهماً في هزيمة هتلر. يقول تشرشل :. كان لديً مقابلة اذاعية هامة علي BBC وأستقدمت سيارة أجرة وطلبت من السائق أن يذهب الي مقر الاذاعة وعند وصولي طلبت منه الإنتظار بحكم أن سيارات الأجرة صعبة المنال في ذلك الوقت. فأعتذر مني وقال: أنا سأذهب الي منزلي لأستمع واستمتع بما سيقوله تشرشل في المقابلة. يقول تشرشل فذهلت وسعدت بما قاله السائق فأحببت أن أكرمه فأخرجت عشرة جنيهات وأعطيتها له وكان ذلك المبلغ يسيل له اللعاب في ذلك الوقت فقال السائق يا سيدي “سأنتظرك وليذهب تشرشل وخطابه للجحيم”.
