الغضب هو شعور إنساني طبيعي ، ولكن عندما يفقد الشخص السيطرة عليه ، قد يصبح سيفًا ذا حدين يمكن أن يضر بصاحبه اجتماعيًا وصحيًا وحتى أمنيًا. ففي لحظات الغضب ، يندفع الإنسان أحيانًا لارتكاب أفعال أو قول كلمات قد يندم عليها لاحقًا ، وفي كثير من الأحيان تأتي نتائج هذه التصرفات بعد فوات الأوان ، فتكون عواقبها وخيمة سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى العلاقات أو حتى على صحة الفرد.
فمن تأثيرات الغضب على الناحية الصحية ، أظهرت الدراسات أن الغضب المفرط يمكن أن يكون له آثار ضارة على الجسم. وفقًا لدراسة نشرتها مجلة American Journal of Epidemiology، فإن الأشخاص الذين يعانون من الغضب المزمن هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض الشرايين. ففي أثناء الغضب ، يرتفع مستوى الأدرينالين في الجسم، مما يؤدي إلى زيادة ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم ، وهذا يمكن أن يؤثر سلبًا على صحة القلب. بالإضافة إلى ذلك ، الغضب المزمن قد يؤدي إلى اضطرابات هضمية مثل القرحة ، بسبب التوتر المستمر الذي يسبب إفراز حمض المعدة بشكل مفرط. د. مارتن سيلغمان ، أستاذ علم النفس في جامعة بنسلفانيا ، ذكر في دراساته أن الأشخاص الذين لا يتحكمون في مشاعر الغضب لديهم احتمالية أكبر للإصابة بالأمراض المزمنة بسبب التوتر المستمر.
اما على الصعيد الاجتماعي ، يمكن أن يكون للغضب عواقب وخيمة على العلاقات الشخصية. فقد أثبتت دراسة نشرتها الجامعة الأمريكية أن الغضب في العلاقات الزوجية يؤدي إلى زيادة حالات الطلاق. و في بيئة العمل ، يُعتبر الغضب سببًا رئيسيًا لتدهور العلاقات المهنية ، حيث يمكن أن يؤدي إلى صراعات بين الزملاء أو حتى إلى فقدان الوظيفة في حال تم التعبير عن الغضب بشكل غير لائق. أحد الأمثلة الشهيرة في هذا السياق هو حالة الكاتب الأمريكي أندي روبيك ، الذي عُرف بشخصيته المندفعة والتي كانت تؤدي إلى توتر في علاقاته الشخصية. أندي اعترف في مقابلة أنه بعد فترة من الغضب المستمر على الآخرين، اكتشف أن معظم مشاكله الاجتماعية كانت نتيجة نقص في التحكم في عواطفه.
كذلك الغضب له تأثيراته الأمنية والقانونية: فمن الجانب الأمني والقانوني ، يمكن أن يؤدي الغضب إلى تصرفات متهورة قد تنتهي بمشاكل قانونية. على سبيل المثال ، العنف الأسري هو أحد أبرز الأمثلة على كيف أن الغضب يمكن أن يؤدي إلى أفعال ضارة ، كالتعدي الجسدي أو النفسي على أفراد الأسرة. في العديد من الحالات ، يكون الغضب هو المحرك الأول وراء اتخاذ قرارات متهورة تؤدي إلى تهديد الأمن الشخصي والعائلي. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، أظهرت الدراسات أن 90% من الحوادث العنفية في المجتمع يرتبط بها مستوى مرتفع من الغضب. في هذا السياق، حذرت إدارة الصحة النفسية من أن الانفجار المفاجئ للغضب يمكن أن يسبب القتل غير العمد أو الاعتداءات في مواقف بسيطة ، كما يحدث أحيانًا في حالات الطرق أو سوء الفهم بين الأفراد.
وفي هذا السياق ، أشار العديد من المفكرين والفلاسفة إلى أضرار الغضب وضرورة التحكم فيه. ومن أشهر الأقوال التي تحذر من الغضب:
“الغضب مثل الرياح العاتية: إنها تقتلع ما تحتها، ولكنها لا تصنع أي شيء جيد.” – بنيامين فرانكلين
“الغضب هو حماقة مؤقتة، فعندما يتسلل الغضب إلى قلبك، فإنه يجعلك تتصرف بشكل غير عقلاني.” – سقراط
“من يسيطر على غضبه، سيطر على حياته.” – مفكر غير معروف
“أقوى الناس هو من يملك نفسه عند الغضب.” – الإمام علي بن أبي طالب
للتعامل مع الغضب عليك إتباع الآتي:
– التروي والتأني: أول وأهم نصيحة للتعامل مع الغضب هي التروي والتأني. عندما تشعر بالغضب ، حاول أن تأخذ نفسًا عميقًا قبل الرد أو التصرف. هذا التوقف البسيط يمكن أن يساهم في تهدئة مشاعرك ويساعدك على التفكير بوضوح. و يُنصح أن تمارس الاسترخاء العميق لمدة دقيقة أو اثنتين لتستعيد هدوءك.
– التحلي بالصبر:الصبر هو العكس تمامًا للغضب. تعلم كيف تكون صبورًا مع نفسك ومع الآخرين. عندما تجد نفسك في موقف يثير غضبك ، حاول أن تذكر نفسك بأن الغضب لا يساعد في حل المشكلة، بل يزيد من تعقيدها. في كثير من الحالات، الصمت هو الحل الأفضل.
– تجنب الاستفزاز:تجنب الأشخاص أو المواقف التي قد تستفزك. إذا كنت تعرف أن شخصًا ما قد يثير غضبك ، حاول الابتعاد عنه أو تقليل التواصل معه قدر الإمكان. أيضا، حاول أن تتجنب البيئة المزعجة أو المحفزة على الغضب.
– الحديث مع شخص موثوق: عند الشعور بالغضب ، تحدث مع شخص موثوق به عن مشاعرك. هذا سيساعدك على تفريغ التوتر ويسمح لك بالنظر إلى الوضع من زاوية أخرى قد تكون أكثر هدوءًا وعقلانية.
– الاستفادة من الرياضة: ممارسة الرياضة يمكن أن تساعد على تفريغ مشاعر الغضب. عندما تشعر بالغضب ، حاول أن تمارس تمارين رياضية خفيفة كالمشي أو الجري. فالنشاط البدني يساعد في تحسين مزاجك ويخفف من حدة مشاعر الغضب.
– البيئة التي تعزز السلوك الغاضب:
غالبًا ما تكون البيئة المحيطة بنا هي أحد العوامل الأساسية التي تزيد من مشاعر الغضب. إذا كانت البيئة مشحونة بالتوتر ، أو إذا كانت مليئة بالاستفزازات ، قد يكون من الصعب التحكم في مشاعر الغضب. لذلك ، حاول أن تحيط نفسك بالأشخاص الذين يبعثون فيك الطمأنينة ، وابحث عن بيئة هادئة تعمل فيها أو تقضي فيها وقتك.
ختاما ، اقول بأن الغضب شعور طبيعي ولكن لا ينبغي أن يسيطر على حياتنا. فعندما نفقد السيطرة عليه ، يمكن أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة على صحتنا وعلاقاتنا وأمننا الشخصي. فمن خلال التروي والتحلي بالصبر والتأني ، يمكننا بالفعل أن نسيطر على مشاعرنا ونتجنب الآثار السلبية للغضب. تذكر قارئي العزيز بأن الغضب يزول ، ولكن الأفعال التي تصدر عن الغضب قد تترك ندوبًا دائمة. لذا ، اكرر ما كتبته في العنوان ، سيطروا على غضبكم كي لا يؤذيكم ، واستبدلوه بالصبر والهدوء. وقانا الله وإياكم شر الغضب وعواقبه الوخيمة.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود