المقالات

العلوم وما أدراك ما العلوم .!

عندما نقول “العلوم”، يتبادر إلى الأذهان صور المختبرات اللامعة، وأنابيب الاختبار التي تتراقص فيها المواد الكيميائية، والعلماء ذوي النظارات السميكة وهم يتأملون الكون من خلف مجاهرهم. ولكن، في جدة، يبدو أن العلوم  تحوّلت إلى رياضة قتالية تتطلب مهارات استثنائية للبقاء على قيد الحياة بعد الاختبار!

من خلال خبرتي في مجال التعليم التي تجاوزت 30 سنة ، فالاختبارات وضعت لقياس مدى التحصيل العلمي الذي يؤهل الطالب للانتقال لمرحلة أعلى ؛ وليس للتعجيز!

نعم، هذه هي النظرية المثالية التي يرددها التربويون في المؤتمرات واللقاءات التربوية، ولكن يبدو أن من وضع اختبار العلوم قرر أن يختبر قدرة الطلاب ؛ ليس على الفهم، بل على النجاة من الصدمات العصبية.!

السؤال الأول : كان يحتاج إلى عبقرية نيوتن، والسؤال الثاني: يُشاع أنه استُخرج من مذكرات آينشتاين، أما بقية الأسئلة فكانت تحتاج إلى: تدخل مباشر من وكالة ناسا لحلها!

ماشاهدناه من اختبار مادة العلوم في جدة: مهمة مستحيلة! .. فقد خرج الطلاب من قاعات الامتحان وهم يعانون من أعراض نفسية خطيرة: محملين  “بكلوم العلوم ” التي صاحبها التعرق، والتلعثم، والندم العميق على اليوم الذي قرروا فيه دخول المدرسة. !

أحد الطلاب أكد أنه كان يشعر وكأنه في برنامج “من سيربح المليون”، ولكن الفرق أن السؤال الأخير لم يكن على مليون ريال، بل على كرامة النجاح من عدمها.

يعلم الجميع إن هناك معايير ومواصفات للاختبارات، لكن هذا الامتحان قرر أن يضع معاييره الخاصة، والتي تتناسب مع طلاب كلية الهندسة في جامعة MIT وليس طلاب المرحلة المتوسطة؛لم يكن هناك توزيع منطقي للأسئلة، بل كانت هناك مفاجآت غير سارة في كل صفحة، وكأن واضع الاختبار كان يستمتع بمشاهدة الطلاب وهم يدخلون في نوبة من الحيرة واليأس.

خرج الاختبار  وتحول عن هدفه الأساسي إلى فرد عضلات، ويبدو أن واضع الأسئلة قرر أن يثبت للعالم أنه أعلم من علماء الفيزياء والكيمياء مجتمعين. ربما كان يحلم بأن يحصل على لقب “عالم القرن”، لكن للأسف، كل ما حصل عليه هو لقب “عدو الطلاب الأول”.

مبروك عليك يا من وضعت الأسئلة، فقد نجحت في تحقيق كراهية الطلاب لمادة العلوم وتسببت في عقدة نفسية لطلاب الثالث متوسط في مدارس جدة، لطالما كنا نسمع عن أهمية تحبيب الطلاب في المواد العلمية، ولكن يبدو أن واضع الاختبار قرر السير عكس التيار. بدلاً من أن يجعل الطلاب يعشقون العلوم، جعلهم يحلمون بيوم ينتهي فيه هذا الكابوس إلى الأبد.

ما الهدف من هذه الاختبارات التعجيزية؟

الاختبار يجب أن يكون وسيلة لقياس مستوى الفهم، لا وسيلة لدفع الطلاب للتفكير في تغيير مسارهم إلى الاحتراف في ألعاب الفيديو بدلًا من الدراسة.

والسؤال هنا: هل الهدف هو قياس الفهم أم اختبار قدرة الطلاب على تحمل الضغط النفسي؟

هل المطلوب هو النجاح في الحياة أم الفشل في الاختبار؟

في النهاية، رسالة إلى واضع الاختبار:  

“مبروك! لقد صنعت اختبارًا سيدخل التاريخ، ولكن ليس كأفضل اختبار، بل كأحد أكثر الامتحانات رعبًا في تاريخ التعليم!”

جمعان البشيري

محرر صحفي - جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى