لم تكن لعبة الشطرنج مجرد تسلية عابرة أو وسيلة لتمضية الوقت، بل كانت ولا تزال رمزاً للتفكير العميق والتخطيط الاستراتيجي على مر العصور، و قد ارتبطت هذه اللعبة بالملوك والمفكرين، حيث اعتُبرت إختباراً حقيقياً للذكاء والقدرة على إتخاذ القرارات الصائبة،و في السنوات القليلة الماضية شهدت لعبة الشطرنج في المملكة العربية السعودية تحولًا كبيراً، بعد أن كانت لعبة محدودة الإنتشار إلى رياضة ذهنية تحظى بدعم رسمي و إهتمام متزايد، من وزارة الرياضة بإستحداث الإتحاد السعودي للشطرنج، فأصبح لهذه اللعبة دوراً بارز في تطوير القدرات الذهنية وتعزيز التنافسية على المستويات المحلية والعالمية،
و تعتبر لعبة الشطرنج واحدة من أقدم الألعاب في العالم، حيث يعود تأريخها إلى أكثر من 1500عام، وتجمع اللعبة بين الإبداع والمنطق، مما يجعلها أداة رائعة لتنمية القدرات الذهنية وتحفيز العقل على التفكير الأستراتيجي، و تعود لعبة الشطرنج إلى ملوك الهند في القرن السادس الميلادي، حيث كانت تعرف باسم “شاتورانجا”، ثم انتقلت إلى بلاد فارس و اتسع انتشارها فيما بعد في العالم الإسلامي و أوروبا، و مع مرور الوقت تطورت قواعد اللعبة حتى أصبحت بالشكل الذي نعرفه اليوم،
و مع بزوغ القرن التاسع عشر، بدأت بطولات الشطرنج الرسمية في العديد من الدول، فأصبح لها تصنيفات دولية ينظمها الاتحاد الدولي للشطرنج (FIDE)،
تلعب الشطرنج على رقعة خشبية تتكون من 64 مربعًا مرتبة في ثمانية صفوف وثمانية أعمدة، يتنافس فيها لاعبان لكل منهما 16 قطعة تتنوع بين:
*الملك (King): أهم قطعة، ويخسر اللاعب إذا تعرض للكش مات.
*الملكة (Queen) أو ( الوزير ): أقوى قطعة، حيث يمكنها التحرك في أي إتجاه لمسافات غير محدودة.
*الرخ أو القلعة (Rook): يتحرك أفقيًا أو عموديًا. *الفيل (Bishop): يتحرك بشكل قطري.
*الحصان (Knight): يتميز بحركته على شكل “L”.
*البيادق (Pawns): تتحرك خطوة للأمام ويمكنها الترقي إلى قطعة أقوى عند الوصول للصف الأخير.
و يعتبر اللاعب رابحاً عندما يتمكن من كش مات لملك الخصم، أي وضع الملك في موقف لا يمكنه الهروب منه، أو بإنتهاء الوقت بالنسبة للاعب الخاسر.
و للشطرنج فوائد عقلية ونفسية عديدة، منها:
*تنمية الذكاء: يعزز التفكير النقدي والتحليلي.
*تحسين الذاكرة: يساعد على تذكر الأنماط والأستراتيجيات المختلفة.
*تطوير مهارات التخطيط: يعلم اللاعبين كيفية وضع أستراتيجيات طويلة المدى.
*تعزيز التركيز: يتطلب انتباهاً عميقاً لتوقع حركات الخصم.
*تقوية مهارات حل المشكلات: يجبر اللاعبين على البحث عن أفضل الحلول في مواقف معقدة.
الشطرنج أكثر من مجرد لعبة، بل إختبار للعقل والإبداع والتخطيط، و يساعد على تطوير مهارات حياتية قيمة مثل الصبر، التفكير الأستراتيجي، و اتخاذ القرارات الصائبة، سواء كنت لاعباً مبتدئًا أو محترفاً، فإن الشطرنج يظل عالماً لا ينضب من التحديات والتعلم المستمر.
و بسبب ارتباطها التاريخي بالنبلاء والملوك منذ العصور القديمة، أطلق عليها “لعبة الملوك”، لأنها كانت تُمارس في قصور الملوك والأباطرة.
و قد كانت لعبة الشطرنج تُلعب بين القادة العسكريين لأنها تتطلب التفكير العميق و اتخاذ القرارات الحكيمة، وهي صفات ضرورية للحكام و العسكريين، لأنها تحاكي ساحة المعركة، حيث يتحكم اللاعب بجيش مكون من جنود وقادة، ويجب أن يستخدم الذكاء لتوجيههم نحو النصر، كما يفعل الملك في الحكم وإدارة الجيوش.
لم يكن للشطرنج قاعدة جماهيرية كبيرة في المملكة سابقًا، لكن مع التغييرات الكبرى التي شهدها القطاع الرياضي ضمن رؤية السعودية 2030، بدأ الإهتمام بهذه الرياضة في الازدياد،و تم تأسيس الإتحاد السعودي للشطرنج، ليكون الجهة الرسمية المسؤولة عن تطوير اللعبة وتنظيم البطولات المحلية والدولية، بالإضافة إلى تأهيل اللاعبين والمدربين والحكام، إذ تبنت المملكة نهجاً أستراتيجياً لتوسيع قاعدة اللاعبين، عبر إدخال اللعبة إلى المدارس، و إقامة الدورات التدريبية، لزيادة الوعي بأهميتها كرياضة ذهنية.
و لرؤية صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، أصبحت لعبة الشطرنج رياضة وطنية تنافسية تواكب التطورات العالمية، بإستهداف
إتحادها كخطوة أولى إعداد كوادر وطنية مؤهلة، بدءً بالتركيز على تدريب المدربين والحكام السعوديين، وفق المعايير الدولية، لذا نشهد اليوم جميع حكام البطولات المحلية معتمدون رسميًا، مما يعكس التطور الكبير في مستوى الإحترافية في المملكة.
كما شهدت السنوات الأخيرة إقبالًا متزايدًا من العنصر النسائي على لعبة الشطرنج، مما دفع الاتحاد إلى دعم اللاعبات السعوديات من خلال توفير دورات تدريبية ومسابقات مخصصة لهن، في خطوة تعكس التوجه العام نحو مشاركة المرأة في جميع مجالات الرياضة، بما في ذلك الرياضات الذهنية.
و تلعب وزارة الرياضة دوراً رئيسياً في دعم لعبة الشطرنج بالمملكة، سواء من خلال تنظيم البطولات، تمكين المواهب، أو تعزيز ثقافة الشطرنج بين الأجيال الجديدة، وبفضل هذا الدعم أصبحت السعودية واحدة من الدول الرائدة في تعزيز الشطرنج كرياضة ذهنية تنافسية.
و أختتم القول: بأن رياضة الشطرنج فن أستراتيجي يحمل دروساً هامة في الصبر، التخطيط، و إتخاذ القرارات الذكية، مما يجعلها جديرة بلقب “لعبة الملوك”. و لا يزال الشطرنج يُمارس على نطاق واسع بين اللاعبين من جميع الفئات و المستويات في المملكة، لكنه يظل دائماً لعبة العقول العظيمة..
كاتبة – أخصائية تغذية
لاعبة شطرنج في المنتخب السعودي



