المقالات

الإبداع متنفس و ثراء

في عالم يتغير سريعاً، لم يعد الثراء مصطلحاً يقتصر فقط على أولئك الذين يرثون الأموال ويكتسبونها، أو الذين يعملون في الوظائف و التجارة المختلفة، في وقت أصبح الإبداع من أهم الأدوات التي تأخذ بيدنا نحو الثراء.
ماذا ما بعد أخذ القسط الكافي من الراحة و الإسترخاء، و الوقت الكافي في الجلوس مع عائلتك، و الأهم من ذلك قضاء برهة من الوقت في العبادات وذكر الله، و قد تكون لديك هواية أو شغف ما لعمل تحبه و تبدع فيه، و ربما لا تمتلك الوقت لتلك الأشياء، و قد تحب عملك و تجني منه ما يكفيك من المال، أو أنك فقط تجبر نفسك على عشق أشياء لا تحبها لكن فقط لأنها مصدر رزقك.
هل تعلم قد لا يكون سيئاً، أن تقتصر حياتك فقط على الأولويات التي ذكرتها، و ليس خطأ أن يكون شغفك الحقيقي مرتبطاً في بعضها أو كلها، و لكن هل فكرت يوماً أن تكون مبدعاً؟
فالإبداع لا يقتصر فقط على العلوم أو الفنون بأنواعها، بل من الممكن أن يكون على هيئة تخطيط و إدارة و إتقان لما نمارسه في حياتنا،
فكلما كنت مبدعاً في أولوياتك كلما زاد ثراؤك الديني و العلمي، و المعنوي و النفسي، أو حتى المادي و غيره،
ولذلك من التميز أن تكون مبدعاً ومتقناً لأولوياتك، فديننا في حقيقته هو دين الإبداع، كما أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلًا أَن يُتقِنَهُ) رواه أبو يعلى في ” المسند ” وحسنه الألباني”
ولكن ماذا إن شعرت يوماً ما بالملل في يوم إجازتك مثلاً، أو بضغوط كثيرة ترغب في الترويح عن نفسك منها دون قيود، أو اكتئاب شديد أصابك جراء الضغوط و المسؤوليات، أو حتى الأحداث الصعبة التي مررت بها في ماضٍ قريب أو بعيد؟
ربما لم تفكر يوماً بالتعبير عنها عن طريق أمور أخرى تحبها وتتحدث فيها بحرية، بدلاً من الكبت الذي قد يولد الإنفجار في وجوه من نحب ومن نكره،
و هذا ما أردت الإشارة إليه في مقالي هذا، فكم من علوم وفنون جميلة أزاحت عن كاهلنا كثرة التفكير، و كثرة الأحزان التي نعاني منها، فكم خففت الكتابة عن ألسنة كتومة، و ساعدت الفنون البصرية أنفساً أرهقتها الهموم، وغذت الألعاب المفيدة كالشطرنج عقولاً أتعبها كثرة التفكير و الإنغماس في بحر الأفكار السلبية الموجعة!
و كم أثرت كل تلك العلوم و الفنون أنفساً كانت تشعر دوما بالفقر و الحرمان، و إن لم يكن إثراؤها بالضرورة مادياً.
إعلم بأنك قد تربط كل تلك الإهتمامات بالموهبة و الذكاء أو حتى الدراسة، ولكن الحقيقة هي أنه من الممكن أن تمارس كلاً منها دون مثالية وحب، فما هي إلا طرق تعبيرية من الممكن أن تخفف عنا مشقة الحياة، ومن ثم تتجه إلى محاولة إتقانها بطريقة تشعرك بالسعادة و الإنجاز، وتضع فيك حافزاً للإستمرار في طريق الحرية و الإبداع!
ولكن لماذا توجد علاقة قوية بين الإبداع و الثراء؟
أولاً الإنغماس في إبداعاتك المتميزة يجعلك نوعا ما منشغلاً، ومتخلياً عن أي علاقة مسمومة ومؤذية في حياتك، و بالتالي ستكون ثرياً إجتماعياً، بما سيشغلك عن التفكير في أمور موجعة لا نفع منها، و قد يأخذك الثراء الفكري، إلى ما يدر عليك المال بطريقة تجعلك ثرياً مالياً، و سيصبح وقتك ثرياً بكثرة الإنجازات، بل من الممكن أن تساعد روحك في الإرتقاء للنقاء، بما سيشغل وقت فراغك، بدلاً من تتبع خصوصيات الآخرين، و الإنشغال بالآخرين، و غيبتهم و النميمة، و غيرها من الخصال السيئة، أن وجهنا إهتماماتنا و إبداعاتنا بطريقة سليمة وصحية!
ماذا إن وظفنا إبداعاتنا أيضا لخدمة الإسلام و المسلمين؟ إنه طريق جميل حقاً للثراء في الآخرة أيضا..
لكن لا بد أن نعترف بان هناك العديد من العوائق التي قد تقف في طريقنا نحو الإبداع..
فأول عائق من الممكن أن يواجهنا هو جهلنا بالحكمة من وجودنا في هذه الحياة، وما هي الأشياء التي من المفترض أن نهتم بها حقاً، أو لجهلنا بأولوياتنا التي ينبغي أن نقوم بها أولاً، بل وحتى جهلنا بانفسنا وما نحب، و حتى الطرق التي من الممكن أن تقودنا لما نحب ونرغب، و خوفنا من الفشل أيضاً، و أن لا نبدو بتلك الصورة المثالية التي رسمها لنا الآخرون، أو خوفنا من الإقدام على المجهول، أو إهمالنا لصحتنا التي تدفعنا إلى المضي قدماً، إنه عدم تفكيرنا في إدارة وقتنا بذكاء، و بحثنا الدائم عن الكمال و المثالية، وحتى عدم تقديرنا للنعم التي حولنا و إستمتاعنا بها.
لنتفق بأن الإبداع ليس مجرد مهارة نولد بها أو نكتسبها، بل هو طريقتنا في التعبير عن أنفسنا، وهو ما نميز به أنفسنا عن غيرنا لنفهم من نكون، إذ الإبداع لغة العباقرة و الأثرياء، للأشخاص المكتفين و المعتنين جيداً بذواتهم وأرواحهم في زحام و ضجيج هذا العالم!

• اخصائية تغذية ، كاتبة ، لاعبة شطرنج في المنتخب السعودي

منار مليباري

أخصائية تغذية،كاتبة، لاعبة شطرنج في المنتخب السعودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى